الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.جوزيف رامز أمين يكتب: قراءة في تفاصيل الاتفاق السوداني

صدى البلد

كعادة مصر دائما في دعم الاستقرار الاقليمي وحرصا منها علي تحقيق السلام والأمن بالسودان الشقيق.. امتدادها الجنوبي.. وعنصر هام من عناصر أمنها الوطني والمائي.. جاء الموقف المصري المؤيد لتوقيع الاعلان الدستورى أو اتفاق المصالحة التاريخي بالأحرف الاولي بين قوي الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالى الحاكم في السودان يوم الأحد 4 أغسطس. وحيث نصت وثيقة الاتفاق التي وقعت بوساطة اثيوبية وأفريقية بالأساس –وكما أوردتها وكالات الأنباء وأجهزة الاعلام المختلفة-علي مزايا عديدة لمستقبل الديمقراطية والحكم المدني في السودان لو أحسن تطبيقها وتمت كما هو مخطط لها.

وتضمنت الوثيقة، التى حملت اسم "الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019"، ويعمل بها من تاريخ التوقيع عليها، تضمنت 15 فصلا، شملت 67 بندا، وكُتبت فى 18 صفحة,وأهمها "الأحكام العامة"، وأبرزها إلغاء العمل بدستور السودان الانتقالى لسنة 2005، ودساتير الولايات، على أن تظل القوانين الصادرة بموجبها سارية المفعول ما لم تلغ أو تعدل، كما نص على أن السيادة للشعب وتمارسها الدولة طبقا لنصوص هذه الوثيقة الدستورية، وهى القانون الأعلى بالبلاد وتسود أحكامها على جميع القوانين...يلى ذلك "الفترة الانتقالية"، موضحا أن مدتها 39 شهرا، تُخصص الستة الأولى منها للعمل على إحلال السلام، ومن أبرز المهام فى تلك الفترة، محاسبة منسوبى النظام السابق، معالجة الأزمة الاقتصادية، الإصلاح القانوني، ضمان وتعزيز حقوق النساء، والشباب، وإنشاء آليات للإعداد لوضع دستور دائم للبلاد,ومن ضمن تلك المهام أيضا وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة.

كما تتولى السلطة الانتقالية ما يسمى بـ "تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989 وبناء دولة القانون والمؤسسات"، وتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة بدعم أفريقى عند الاقتضاء وفق تقدير اللجنة الوطنية، لإجراء تحقيق شفاف ودقيق فى الانتهاكات التى جرت فى 3 يونيو 2019 (فض اعتصام القيادة العامة)، والأحداث والوقائع التى تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين مدنيين أو عسكريين خاصة فى اطار المظاهرات وأحداث العنف الأخيرة فى البلاد، على أن تشكل اللجنة خلال شهر من تاريخ اعتماد تعيين رئيس الوزراء، وأن يشمل أمر تشكيلها ضمانات لاستقلاليتها وتمتعها بكافة الصلاحيات للتحقيق وتحديد المدى الزمنى لأعمالها.

ثم حددت باقى الفصول "أجهزة الفترة الانتقالية ومستويات الحكم"، وهى مجلس السيادة: رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها، مجلس الوزراء: وهو السلطة التنفيذية العليا للدولة، والمجلس التشريعي: وهو سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي..وأهم بند هو "مجلس السيادة"، وحدد عدد أعضائه بـ 11 عضوا 5 منهم من العسكريين، و5 من المدنيين تختارهم قوى "الحرية والتغيير"، والأخير مدنى يُختار بالتوافق، على أن يكون الرئيس من العسكريين فى الـ 21 شهرا الأولى، ثم تنتقل الرئاسة لمدنى يختاره أعضاء المجلس من قوى "الحرية والتغيير"، وذلك لمدة 18 شهرا.وتوكل لمجلس السيادة كافة المهام الرئيسية فى البلاد بما فيها اعلان الحرب وفرض حالة الطوارىء وغيرها.

أما المجلس التشريعي، فهو لن يتجاوز عدد أعضائه 300، يمثلون مختلف القوى، عدا أعضاء المؤتمر الوطنى والقوى السياسية التى شاركت فى النظام السابق حتى سقوطه.. ونصت الوثيقة على ألا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 40 فى المائة، ولـ "الحرية والتغيير" نسبة 67 فى المائة من أعضائه، والـ 33 فى المائة الباقية للقوى التى شاركت فى التغيير ولم تكن موقعة على الإعلان.

ونظمت الفصول التالية تشكيل أجهزة القضاء، والنيابة العامة، والمراجع العام، والأجهزة النظامية من قوات مسلحة وشرطة وقوات الدعم السريع، التى نصت الوثيقة على أنها تتبع القائد العام للقوات المسلحة، كما نظم عمل قوات الشرطة، وجهاز المخابرات العامة، والمحاكم العسكرية...كذا المفوضيات المستقلة، وطريقة تشكيلها، تناول حالة الطوارئ، والأهم "وثيقة الحقوق والحريات"، وقضايا السلام الشامل، ومن أبرز أحكامه إصدار عفو عام فى الأحكام الصادرة ضد القيادات السياسية وأعضاء الحركات المسلحة بسبب عضويتهم فيها، والعمل على وقف العدائيات فى مناطق النزاعات وبناء عملية السلام، الشامل والعادل، وتسهيل مهمة المبعوث الأممى للمفوضية السامية لحقوق الإنسان للعمل بالسودان، وإرجاع الممتلكات التى تخص التنظيمات والأفراد، التى تمت مصادرتها بسبب الحرب.

الاستفادة الجماعية من الاتفاق:

ولعل هذا الاتفاق –لو تم تطبيقه بالحياد والشفافية المطلوبة-يحمل بشاير الخير والسلام للجميع :لأبناء السودان والذين يتقاتلون بشكل مستمر منذ عدة أشهر"وبالتحديد منذ ديسمبر 2018 ولم تتوقف حتى بعد اقصاء البشير فى أبريل 2019.. حتي وصلت فاتورة عدم الاستقرار والحرب الدائرة هناك الي مايقارب مئات القتلى وآلاف الجرحي.. بحيث تخطت بكثير الهدف الذى قامت من أجله المظاهرات وهو ارتفاع أسعار الخبز وتحقيق الحرية . ولكن فى المقابل حدثت تداعيات وانعكاسات سلبية مستمرة علي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية من جراء عدم الاستقرار الحادث .. بل وعلي أركان الدولة ذاتها وكيانها.. والتي تتعرض لمزيد من التفتيت والانقسام علي نمط الجنوب في كل من : دارفور وآبيي وشرق السودان.. لذا فان تنفيذ هذا الاتفاق من شأنه أن يدعم كيان الدولة السودانية بعيدا عن التشرذم والتفكك.

أيضا تزداد أهمية الوسيطين : الاثيوبي والأفريقي.. وتثبت اثيوبيا من جديد قدرتها علي الوساطة وتحقيق المصالح المشتركة بين الجيران المتنازعين على حدودها .. كما أن من شأن نجاح هذا الاتفاق أن يدعم الأمن والاستقرار في اثيوبيا والتي تعرضت لمحاولة انقلاب مؤخرا كانت تهدف أيضا لابعادها عن دور الوساطة في السودان...والآن يعود "آبى أحمد" من جديد ليثبت قدرته على تحقيق المصالحة فى القرن الأفريقى وبعد قرابة عام على المصالحات التاريخية التى أنجزها فى يوليو 2018,ساعده فى ذلك الوسيط المتمرس "محمود درير" صاحب الأصول الصومالية والذى عمل سفيرا لاثيوبيا فى القاهرة قرابة 6 سنوات.

مستقبل مفاوضات سد النهضة:

ولعل أهم الفوائد الناجمة عن هذا الاتفاق هو امكانية عودة الاجتماعات الدائرة بشأن "سد النهضة" والتي توقفت تقريبا منذ بدء أحداث العنف الأخيرة بالسودان قبل عدة أشهر...وهى بلا شك تحسب للأطراف الثلاثة" مصر-السودان-اثيوبيا". وأخيرا يعد نجاح التفاوض نجاحا للاتحاد الافريقي الذي كان طرفا في التفاوض ويرأسه حاليا مصر والرئيس السيسي منذ فبراير الماضي ولمدة عام.. والذى يحرص على دعم استقرار السودان وأمنه ,وهو الأمر الذي قد يعد بادرة لادارة أزمات أخري سواء في ليبيا أو غيرها.. وعودة السلام والمصالحة لربوع القارة.. ولكن شريطة أن ينجح هذا الاتفاق.. ويتم تنفيذ بنوده لصالح تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في ربوع السودان,والقرن الأفريقى ,وكافة أنحاء القارة.

وفى النهاية لا يفوتنى أن أعزى الوطن بأسره فى ضحايا "معهد الأورام" جراء التفجير الارهابى ومواساتنا لأسر الشهداء والمصابين...ولعل الأيام المباركة بقدوم احتفالات "عيد الأضحى المبارك" وبدء "صوم السيدة العذراء" تكون الهاما لكافة المصريين لنسيان الأحزان والاستمرار فى العمل والانتاج ومواجهة الارهاب...حفظ الله "مصر وشعبها ورئيسها".