الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المواطن التونسى.. إكسير الشباب!


منذ أن تفجرت ثورة الياسمين البيضاء فى تونس الخضراء عام ٢٠١١، والمرء يزداد إعجابه بهذا الشعب الذى آمن برياح التغيير، قولا وعملا، ويتضاعف هذا الإعجاب على ضوء الخطوات والإجراءات التى ساقها المواطن التونسى ليبنى دولة الحرية والديمقراطية ويقضى على ثقافة الاستبداد واحتكار السلطة، ولسنا بصدد الحديث عن فصل "الربيع العربى" عما إذا كان ثورة شعبية نقية أم مؤامرة مدبرة بإحكام من أجندات الخارج وسيناريوهات الغرب، فالتونسيون قفزوا على هذا التصنيف ورفضوا الانسياق وراء سراديب وكهوف هذا الترويج، واستحقوا عن جدارة وسام "مهد ثورات القرن الواحد والعشرين" ليس لمجرد أن شهادة الميلاد كتبت على أرض أشقاء الشمال، بل لأنهم نجحوا فى التحدى وتسلحوا بالصبر والصمود فى مواجهة مخططات التخريب ومعاول هدم الدولة الجديدة، وفى كل تطور سياسى وميدانى وجدنا المواطن التونسى واقفا، حاضرا بقوة لتشكيل وصياغة الحياة السياسية المنشودة، ومع امتداد خيوط الثورة النبيلة إلى دول الجوار وفى مقدمتها مصر، تخلص رجل الشارع فى تونس من "إكليشيهات" المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة دون قيادة أو ترشيد، وسلك مسار ممارسة دوره كناخب وصاحب صوت مؤثر ومسموع وتحترمه كل التيارات السياسية والحزبية.

نزل المواطن إلى لجان التصويت وشارك برأيه فى صناديق الاقتراع خلال كل حدث انتخابى، وحشد المجتمع المدنى بكل فئاته وأطيافه وراء هدف واحد، ديمقراطية سليمة ونزيهة، والتفت الجماهير حول شخصيات بعينها لتحل محل الوجوه القديمة وتقود مع الشعب مسيرة الإصلاح والتنمية، مما أدى إلى كسب ثقة المجتمع الدولى واستقطاب مؤسسات التمويل العالمية للمساهمة فى رسم وتنفيذ خطط إنعاش الاقتصاد وتطوير صورة الحياة المعيشية بعد سنوات الظلم والقهر فى عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن على، وتجلى ذلك فى سلسلة قروض صندوق النقد الدولى إلى تونس، وتفوق الدولة الجديدة فى استثمارها لتحقيق أهداف الثورة وترسيخ مبادئها.

ومن أبرز نتائج التجربة التونسية نهاية نغمة "انفراد" فصيل سياسي بالسلطة، وفتح المجال لائتلافات تمتص الخلافات بين المتنافسين وتسمح بالتنسيق بينها، وكانت الشراكة بين حركة النهضة الإسلامية وكتلة اليسار بزعامة المنصف المرزوقى أولى ثمار الوعى السياسى للمواطن الثائر عندما قرر الاعتماد على الجناحين والاستفادة من إمكانيات كل طرف بما يخدم مصالحه ويلبى طموحاته، ولم يتسرب الإحباط لفشل الصفقة لاحقا وسقوط الفكرة، وإنما لجأ المواطن إلى ظهير آخر من المؤسسة القديمة واستطاع أن يُروِّض الرئيس الراحل قائد السبسى ويستغل رصيده وتاريخه لمزيد من الاستقرار والحفاظ على مكتسبات الثورة.

وثمرة أخرى قطفها المواطن التونسى عندما حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطنى على جائزة نوبل للسلام عام ٢٠١٣ فى لقطة غير مسبوقة تقديرا لإنجاز هذه اللجنة فى احتواء مخاطر الصراع السياسى، واستمدت مؤسسات اللجنة قوتها من حيوية وعافية المجتمع المدنى ومراقبته للأحداث، ولم يكن لهذا الوضع أن يستقيم وتتجدد الدماء فى شرايين قطاعات الدولة وكياناتها لولا يقظة وعظمة المواطن البسيط وسلوكه الإيجابى لتغيير الواقع وضرب أوكار الفساد واستغلال النفوذ.

واليوم، حسم نفس المواطن الواعى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة بحصر السباق بين مرشح مستقل ورجل أعمال متمردا على لاعبى الماضى، ورغم المشاركة الضعيفة إلا أنه فضَّل استبعاد الإسلام السياسى ومعاقبته على أخطائه الفادحة، والاستغناء عن المؤسسة العسكرية فى مقابل اختبار نماذج مختلفة ومدى قدرتها وصدقها فى العطاء والإنجاز، وتلك فرصة الكتلة المستقلة لتكشف عن برامجها وتثبت استحقاقها بكرسى الرئاسة وفتح صفحة مشرقة مع "ثورة الياسمين"!

إنه المواطن التونسى الصالح، هو الذى وضع الخطة ورسم طريق النجاة ولم يكترث بالعقبات وانطلق يحطمها ويصنع التاريخ، وهو نفسه من يمنح دائما "إكسير الشباب" لثورات الربيع العربى، فيُحيى الأمل فى نبلها وفلسفتها، ويضرب المثل والقدوة بأن رجل الشارع فى أى مكان وزمان بمقدوره أن يقرر مصيره ويدير أزماته ويحمى مجتمعه من سهام الديكتاتورية وحكم الفرد الضرير، والشعوب الحرة تبنى مستقبلها ولا تفرط أبدا فى حقوقها وآمالها، بشرط الإرادة الصلبة، والعقول الواعية، وها هى الجزائر تستلهم، والسودان يتعلم، أما التطبيق فله مفاتيحه ومواصفاته ولا يملكها إلا الأحرار.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط