الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل ورطّ ترامب تركيا في سوريا؟!


في ظل تضارب وتباين وغموض آراء الرئيس ترامب بين "تغريدة" وأخرى، يمكن أن ننطلق من تصرفات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تحليل الموقف الأمريكي بشأن الاعتداء العسكري التركي على الأراضي السورية، حيث قال بومبيو إن الولايات المتحدة لم تمنح "ضوءا أخضر" لتركيا كي تشن هجومًا على القوات الكردية في شمال سوريا.

في تحليل الموقف الأمريكي يمكن ان نقف عند محطات عدة أولها بيان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض الذي قال فيه إن تعاطي الولايات المتحدة مع الاعتداء العسكري التركي كان باعتباره "في حكم الأمر الواقع"، وأضاف أن بلاده لن تدعم العملية التركية أو تشارك فيها، ولن تكون القوات الأمريكية موجودة في المنطقة القريبة من العمليات العسكرية التركية. 

هذا الكلام صحيح تمامًا، وبغض النظر عن أن بيان البيت الأبيض لم يتضمن أي إدانة للمخطط التركي أو دعمًا للأكراد حلفاء الولايات المتحدة، لكن يجب أن نعلم أن وجود القوات الأمريكية في تلك المنطقة كان يشكل العائق الأكبر الذي حال دون الاعتداء التركي طيلة الفترة الطويلة الماضية، ومن ثم فإن الانسحاب الأمريكي منها لابد وأن يكون إما بناء على تفاهم حول تقاسم المصالح أو توريطًا للسلطان التركي أردوغان في فخ لا فكاك منه، وفي كلتا الحالتين هو يبدو الأمر أقرب إلى الفخ من أي تصور استراتيجي آخر سواء قصدت واشنطن تفخيخ الموضوع أم لم تقصد.

وسواء كان القرار التركي بالاعتداء على الأراضي السورية مؤثرا سلبًا أم لا، فإن هذا الاعتداء لا يصب في مصلحة وحدة الأراضي السورية كما تزعم حكومة أردوغان، بل يخدم مصالح تركيا وإيران فضلًا عن كونه يمثل جرعة "اوكسجين" قد تعيد الحياة لتنظيم "داعش" الإرهابي، الذي سيجد في الدور التركي عرابًا لعودته للحياة مرة أخرى!

قد يقول قائل: وهل مصلحة الرئيس ترامب في أن يعود "داعش"، أو يسمح بعودته؟ الإجابة قد لا تكون لا، فالولايات المتحدة انتهت من هزيمة التنظيم ودحره عسكريا والقضاء على دولته المزعومة في سوريا والعراق، وهاهي تسحب قواتها من سوريا، وقد لا تهتم في هذه الحالة بمآلات التنظيم بل قد ترى فيه ورقة مهمة لمناكفة الوجود الإيراني في سوريا، فما يهم ترامب قبل عام من انتخابات الرئاسة الأمريكية هو تجميع مكاسبه والوعود التي تم الوفاء بها طيلة فترة رئاسته الأولى، ومنها سحب القوات الأمريكية من مناطق "الحروب والصراعات التي لا نهاية لها" كما قال، وهزيمة تنظيم "داعش" وهما هدفان سيؤكد وقتذاك أنهما قد تحققا بدرجة كبيرة ولم يتبق منهما سوى سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهو هدف كان على وشك التحقق، لولا عملية انتحارية تبنتها حركة طالبان، وربما يتم تجاوز آثارها واستئناف جولات التفاوض وتوقيع اتفاق سحب القوات في الأشهر المقبلة.

ما يهم الرئيس ترامب في هذه المرحلة في ظل ما يواجهه من ضغوط داخلية على خلفية تحقيقات الكونجرس بشأن موضوع أوكرانيا، أن يحقق مكاسب سياسية تكتيكية سريعة، ويترك القرارات الاستراتيجية جانبًا في هذه المرحلة، لذا نجد أن تصريحاته تميل إلى التضارب والتباين في بعض الأحيان، وتبدو كأنها أقرب إلى ردة الفعل وليس الفعل، وهو ما يستغربه البعض من قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة ومكانتها الدولية المهيمنة، ولكن الحقيقة أن الرئيس ترامب يدرك مايفعله تمامًا ، والاختلاف هو في مفهومه الخاص للعمل السياسي والدبلوماسي، حيث تختلف الأمدية الزمنية وتتداخل المساحات بين الثوابت والمتغيرات، وبين التكتيكي والاستراتيجي، وهذا عائد بالأساس إلى خلفيته الاقتصادية، التي تدفعه للميل إلى المناورة بالكلمات والتصريحات من دون اعتبار كبير لعواقب كل "تغريدة" أو تصريح صحفي، لذا نراه يهدد بتدمير ومحو الاقتصاد التركي "إذا فعلت تركيا أي شيء خارج الحدود"، وبعدها بساعات نجده يمتدح تركيا باعتبارها شريكًا تجاريًا مهمًا للولايات المتحدة، ويعرب عن أمله في أن تتم العملية التركية "بطريقة إنسانية قدر الإمكان"،. ونراه يؤكد للأكراد أن الولايات المتحد لم تتخل عنهم، ثم يخبر المراسلين أنه "يحبهم"، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أنهم "كانوا يقاتلون فقط من أجل أرضهم" ولم يساعدوا الولايات المتحدة، على سبيل المثال، في إنزال النورماندي وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وأنهم تلقوا أموال بالمليارات من الولايات المتحدة، والكلمة الأخيرة كفيلة بتجيير تعاطف الرأي العام الأمريكي لمصلحة موقف الرئيس ترامب في هذه الأزمة، وهو يدرك ذلك جيدًا ويعرف من يخاطب، وكيف يمكن استمالة مزيد من المتعاطفين في الداخل الأمريكي لمصلحته، لذا نجه يحدد ثلاث خيارات فقط للتعامل مع الأزمة هي: إرسال الآلاف من القوات لتأمين المنطقة، أو فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، أو "التوسط في صفقة" بين الأتراك والأكراد، ويميل ميلًا كثيرا للاكتفاء بخيار الوساطة، الذي بادرت تركيا لوضع شرط عليه يتمثل في القاء الأكراد لأسلحتهم قبل أي حوار معهم.

المسألة إذًا ليست في توريط السلطان التركي ولا غيره، علمًا بأن تورط تركيا في مستنقع عسكري بالشمال السوري سيكون من مصلحة الولايات المتحدة، ولكنه لم يكن هدفًا فمن وقع قرار الاعتداء العسكري على الأراضي السورية هو أردوغان وليس الرئيس ترامب، وقد يكون بدافع الغرور والغطرسة أو الهروب من إشكاليات داخلية أو غير ذلك، ولكن الثابت الوحيد في المسألة أنه لم يدرس جيدًا خيارات مابعد التدخل العسكري، أو خيارات اليوم التالى كما يقول الاستراتيجيون.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط