يوافق اليوم 31 أكتوبر الذكرى 5219 لتأسيس مصر، كأول دولة مركزية عرفها الإنسان على سطح الأرض، فما أعظم تلك المناسبة الضاربة في جذور التاريخ وتعبر عن قدم الدولة وعراقتها، خاصة أنه لا توجد دولة تمتلك هذا التاريخ المجيد إلا مصر، فهي أقدم دولة مركزية في التاريخ البشري والتي تأسست في يوم 21 من شهر بابة، أو 31 أكتوبر في العام 3200 قبل الميلاد ، وهو يوم دوّن فيه التاريخ ذكرى"عيد توحيد مصر"، أو "عيد توحيد القطرين الشمالي والجنوبي أو عيد توحيد الأرضين على يد الملك"مينا" المعروف بـ "موحد القطرين"، لتبدأ مصر مرحلة جديدة من الوحدة السياسية وتأسيس أول دولة مركزية فى التاريخ منذ 3200 عام قبل الميلاد ، أي منذ 5219 سنة ، فلماذا تترك الأمة المصرية كل هذا التاريخ الشامخ بما احتواه من انتاج حضارت خالدة وانجازات ما زالت تبهر العالم حتى اليوم والى ان تقوم الساعة ؟ لماذا يتنازل الشعب المصري العظيم عن هذا الارث الحضاري المتراكم والميراث الانساني الملهم الذي قدمه للبشرية جمعاء ولا يجعل من هذا اليوم ضمن أعياده القومية يتباهى فيه بهدية مصر الكبرى التي أهدتها للعالم ، وهي الدولة المركزية الموحدة ؟
ان الاحتفال بعيد تأسيس الدولة المصرية في 31 أكتوبر من كل عام ، يعد فرصة لا مثيل لها ، نذكر فيها العالم بتلك الهدية الحضارية العظمى التى قدمتها مصر له وهي أول كيان سياسي على وجه الأرض ؛ وما استتبع ذلك من تقديم حضارة شاملة علمت البشرية الكتابة والزراعة والبناء والعمارة والطب والعلوم والفلك ؛ حضارة كبرى لاح على ضفافها ذات يوم فجر الضمير ؛ ذلك الفجر الذي سطع نوره على الدنيا عبر أول معاهدة سلام معروفة في التاريخ ، وعبر أول دعوة للتوحيد وعبادة الله الواحد ، وكذلك عبر احتضان الأديان السماوية الثلاث المقدسة ، كما تركت مصر القديمة إرثًا دائمًا للبشرية جمعاء وأخذ منها اليونانيون القدماء الكثير وتلاهم الرومان. ونُسخت وقُلدت الحضارة والفن والعمارة المصرية على نطاق واسع في العالم، ونقلت آثارها إلى أصقاع بعيدة من العالم. وألهمت الأطلال والبقايا خيال المسافرين والكتاب لعدة قرون، وأدت اكتشافات في مطلع العصر الحديث عن آثار وحفريات مصرية إلى أبحاث علمية للحضارة المصرية تجلت في علم أطلق عليه علم المصريات، وذلك مزيدًا من التقدير لتراثها الثقافي في مصر والعالم .
ومن الجدير بالذكر أن هذه الدعوة ليست غريبة على التاريخ المصري ؛ فقد احتفل المصريون القدماء منذ 5219 سنة بعيد توحيد القطرين الذي دمج مع احتفالات الجلوس على العرش لبعض الملوك في الحادي والعشرين من شهر بابة الذي يوافق 31 أكتوبر ، أبرزهم الملك "أحمس" و"أمنحتب الأول" و"تحتمس الثالث"، لأن "حب – تاوى" أو "عيد الأرضين" هو عيد تمام وحدة أرض مصر، عيد التئام الشمال والجنوب في دولة واحدة, محددة المعالم, متجانسة الملامح والمشتركات، عيد ذكرى اكتمال ونضوج الشخصية القومية المصرية، وهو العيد الذي يؤكد وحدة المصريين من آلاف السنين، كما أنه عيد تأسيس أول دولة مركزية في التاريخ ، وعيد تأسيس الجيش المصري الموحد ، تحت قيادة ملك مصر العظيم .
لذا فالاحتفال بهذا اليوم المجيد سيكون مصدرا لفخر واعتزاز الجميع ؛ فمن يعارض أن تسترد أمته المصرية 5219 من عمرها الحضاري التليد وهو العمر الأطول تاريخيا بين دول العالم كافة ؟ فهل آن الآوان لطرح هذا المشروع الحضاري والثقافي والتوعوي والقومي للنقاش العام والرأي المجتمعي ؟