الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

روج آفا نيويورك الشرق


منذ الحرب العالمية الثانية والمؤسسات الأممية والتي هي بالأصل (دولتية) اتخذت من مدينة نيويورك مقرًا لها وذلك وفق إرادة المنتصر في تلك الحرب الكونية. وما زالت هذه المؤسسات بمختلف مسمياتها تجتمع منذ ذاك الوقت وحتى اليوم بغية وضع الحلول أو شبه حلول لبعض القضايا والمشاكل ما بين الدول أو بعض الأطراف المتنازعة فيما بينها. 

ولعلنا بمقدورنا القول أن القضية الفلسطينية أخذت الحيز الأكبر من مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وذلك من عديد الاجتماعات التي عقدت من أجلها واتخاذ بعض القرارات على الأقل لوضع شبه الحلول لبعض القضايا والمشاكل ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين على طول أكثر من نصف قرن. 

الأن ونحن في الألفية الثالثة وما تتعرض له منطقة مشرق المتوسط والشمال الإفريقي ومنذ حوالي العقد من الزمن انتشرت في المنطقة حالة من الفوضى نتيجة ما سمي زورًا بالربيع العربي، خفت نوعًا ما مستوى الاهتمام بما يعانيه الفلسطينيين وزاد الاهتمام والتركيز على ما تعانيه المجتمعات والدول من معارضات مرتبطة لأجندات إقليمية ودولية وكذلك انتشار المجموعات الإرهابية والمرتزقة تقتل بالبشر وتهدم المدن ولا نسمع لقرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أنه اتخذ اية قرارات تفضي إلى إيقاف هذه المهزلة والتراجيديا التي تعصف بالمنطقة.

روج افا هذه الجغرافيا الصغيرة الواقعة في الشمال السوري والوليدة من رحم الصراعات ما بين المجتمع والعقلية السلطوية الدولتية، والتي ما زالت تحبو بعزيمة واصرار على الحياة، باتت تشكل العقدة الكأداء لدول كانت تعتبر نفسها يومًا ما انها قوة لا تقهر وعلى انها في مصاف الدول المتربعة عرش القوة والهيمنة السلطوية، إلا أنه ظهر بشكل جلي أن هذه القوة هي في أضعف وأوهن حالاتها أمام القوة المجتمعية إن هي نظمت نفسها على أساس تنوعها الاثني والعرقي والديني، وأن هذا الاختلاف هو بنفس الوقت عنصر قوة أمام اي جبروت وقوة تستهين بإرادة الشعوب حينما تتحد. 

روج افا هي هذه الظاهرة الجديدة النابعة من عمق التاريخ والتنوع الثقافي لشعوب المنطقة، باتت تمثل الرقم الصعب في معادلة أمن واستقرار المنطقة وحتى في عقد التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية، بعدما أثبتت وجودها بشكل مبكر من خلال تصديها لأقذر مرتزقة وارهابيين ظهروا خلال القرون الأخيرة والتي تتخذ من الدين قناعًا لها للتنكيل بالشعوب وزيادة التشتت والتفرقة. 

روج أفا التي بدأت إثبات ذاتها منذ مقاومة كوباني _ عين العرب_ واستمرت حتى تحرير الرقة عاصمة الخرافة المزعومة وبعد ذلك القضاء على آخر جيوب لهم في مدينة الباغوز. والتي شكلت منعطف تاريخي في أن الشعوب قادرة على الحياة والتصدي للإرهابيين اكثر ممن يدعون أنفسهم دولا وسلطة. 

هذا ما أثبتته مقاومة شعوب هذه الجغرافيا الصغيرة التي آمنت بحقها بالحياة من خلال إرادتها المجتمعية والسياسية. وكذلك عملت هذه الجغرافيا الصغيرة على أن تكون مركز الاهتمام العالمي إن كان للدول أو شعوب العالم رغمًا عن دولها، وذلك لأن روج آفا تخطت جغرافيتها الصغيرة ما بين النهرين وباتت جغرافيا تهم العالم أجمع، لما قدمته شعوب هذه المنطقة من تضحيات جسام في تصديها للإرهاب العالمي وصلنا بنفس الوقت العالم من خطر داهم على الجميع.

اليوم حينما ننظر في الخريطة باحثين عن مواقع القوات التي تتصدى للعدوان والاحتلال التركي في الشمال السوري، يتسائل الكثير، وما أهمية هذه المنطقة لتلقى كل هذا الاهتمام العالمي؟ طبعا، سؤال مشروع من قبل من لا يدرك التاريخ والجغرافيا وربطها بالسياسة الدولية، ولكن حينما يدرك أن هذه الجغرافيا بالذات هي المكان الذي انطلق من الإنسان والثقافة الانسانية نحو العالم، حينها ندرك مدى هذا الاهتمام وإن كان عن عدم وعي كامل بخفايا هذه المنطقة. 

نيويورك المدينة التي نالت شرف احتضانها الأمم المتحدة ومجلس الامن، رويدًا رويدًا بدأت تفقد بريقها وتتحول لمدينة كأخواتها في العالم، بعدما لمع نجم روج افا التي تضم مدنًا باتت أيقونة للحياة والارادة والكرامة والتضحية، بدءً من كوباني (عين العرب) وسري كانيه (رأس العين) وحتى عفرين الحزينة والرقة العروسة المغتصبة والمحررة.

اليوم روج آفا تجمع دول على اراضيها كانت لا تجتمع مع بعضها إلا بجلسات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. إلا أن روج افا استطاعت أن تلعب هذا الدور بكل جدارة في أن تجمع أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا مع غياب الصين التي ما زالت تبحث عن فرصة اقتصادية تستفيد منها كي تدخل على خط روج آفا _ دمشق، وبذلك تكون روج آفا قد جمعت الدول الخمسة من مجلس الأمن الدولي على أراضيها، وكأن روج افا تقول والمصري "مفيش داعي تروحوا نيويورك عشان تجتمعوا، منتو مجتمعين عندنا أهو".

لربما تحولت روج آفا لنيويورك الشرق وعلى ما اعتقد انها شعب وقوات هذه المنطقة استطاع أن تضبط البوصلة بين هذه الأطراف المتصارعة على مصالحها في هذه الجغرافيا، فأنه بمقدورها ايضا ان تؤسس لمرحلة جديدة من نظام جديد ان يعمل الكل مع الكل بدلا من ان يحارب الكل ضد الكل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط