تشكلت الجمهورية التركية بعام 1923 وكانت تستند الى مجلس مجلس الشعب او الأمة ودستور عام 1921 الذي كان مرنًا ويعبر عن حقوق المجتمعات والشعوب في الجمهورية التركية، لكن بعد اصدار دستور عام 1924 الذي اضاف الصفة القومية لمجلس الشعب ليصبح مجلس الشعب التركي ليواكب هيكلية الدولة القوموية الاحادية و المعتمدة على قومية واحدة على حساب التنوع في المجتمع.
بدأت المجتمعات والمكونات والتيارات حينها بالتعبير عن رفضها ومعارضتها للنهج الجديد والغريب عن ثقافة المنطقة وقاومت ثقافة اللون الواحد داخل تركيا المستحدثة.
على اثرها تم قتل الالاف وملايين الابرياء من الشعوب لاختلاف مذاهبهم ودياناتهم الموجودة في الجغرافية المسمى "تركيا" لمجرد الاختلاف وكان على راس المستهدفين حينها الشعب الكردي بعد القضاء على الباقيين.
وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا وقرب تركيا منها ونتيجة لنظام القطبين ولموقع تركيا تم الحاقها وإدخولها لحلف الناتو عام 1952 هنا اصبح التحكم بتركيا من مسؤولية مايعرف بغلاديو الناتو، وفي تركيا اصبح مايعرف بالدولة العميقة هي السلطة الفعلية من وراء الستار وتم تصفية كافة الحركات اليسارية وحركات المجتمع الديمقراطي اعوام الستينات والسبعينات مثل القضاء على حركات دنيز كزميش وماهر جيان وغيرهم.
وكانت الدولة والسلطة منفصلة نوعًا ما عن بعضهم وكان تتم تصفية السلطة والتحكم بها عن طريق الانقلابات فور خروجها من الحدود المرسومة كما حدث مع عدنان مندريس وسليمان ديميريل وتركوت أوزال وغيرعم، حتى ان ديميريل قال مرة "لو طُلب مني الخرج السلطة سافعل" .
ان المعارضات والتوجهات السياسية في تركيا يمكن حصر اغلبها في عدة توجهات رئيسية:
1_الكماليون وهم حزب الشعب الجمهوري الذين يتبنون العلمانوية القوموية الذين تبنوا الثقافة الغربية وتقليدها وهم حزب الدولة الاول وهو يعتبر اقدم حزب بتركيا تأسس بعام 1923وهو لا يختلف سواءً كان بالمعارضة او بالسلطة من حيث خدمته وتوجهاته الاساسية في القضايا المصيرية حسب رؤيتهم مثل موقفهم المتماثل مع اردوغان في الهجوم واحتلال شمال سوريا والعراق وحتى الاعتداء على سيادة قبرص واليونان والتدخل في ليبيا وغيرها.
وهم يفضلون الانتظار ومراقبة ما ستسفر عن الأحداث من بعيد، تحت زعم "إن هذا النظام لن يستمر على أي حال. هذه السلطة سوف تغرق. سوف يرحل هذا الفريق، وسيكون لدينا نصيب في السلطة والحقيقة أنه، بزعمهم هذا، إنما يخادعون أنفسهم خصوصًا بعد تحويل النظام الى الرئاسي على يد أردوغان وتفرده بالسلطة بعد مسرحية الانقلاب ووجوده في اطول فترة بالحكم بعد مصطفى كمال.
2_ العثمانيون الجدد وهم يريدون السيطرة على 5 ملايين كم مربع من اراضي الامبراطورية العثمانية وان بطرق
مختلفة عن طريق اقامة القواعد العسكرية واستعمال الوكلاء في بعض الدول . ومنهم نجم الدين أربكان، اردوغان، فتح الله غولان، احمد داؤود اوغلو وعبدالله غول و غيرهم وهم يستعملون كل القيم والمبادئ لاجل بقائهم في السلطة.
3_ الاتفاق الديمقراطي الذي اوجد الجمهورية وتم محاربته فيما بعد لتحقيق نمطية الدولة القوموية وهو الآن يتجسد في حزب الشعوب الديمقراطي الذي يضم كل فئات المجتمع من عرب، ترك، سريان، أرمن، روم وكرد والذي يمارس النهج الثالث المستند الى السياسة الديمقراطية عبر الاتفاق الديمقراطي، والسياسة الحرة والحقوق الكونية. هذا الاتجاه يقترح تشكيل دستور ديمقراطي من أجل تحقيق الحقوق الكونية. الذي يجمع كافة المكونات والديانات والمذاهب ويؤمن بالديمقراطية والحرية لكافة شعوب تركيا والمنطقة في اطار وحدة الحدود الموجودة.
4_القومويين الشوفينيين الطورانيين مثل الحركة القومية التركية الذي تأسس عام 1969 الذين يجسدون الالغائية والاقصائية والعنصرية بكافة أشكالها.
5_الحركات التي تخوض النضال العسكري والسياسي معًا نتيجة اغلاق باب السياسة امامهم ونتيجة لممارسات الدولية التركية من التغير الديموغرافي والتطهير العرقي وارتكاب المجازر.
وبين هذه الاطراف هناك احزاب وظيفية مثل حزب الخير والسعادة والوحدة تم تشكيلهم حتى لاتذهب الاصوات المعارضة لسياسات الكماليون والعثمانيون الجدد والقوميين الى حزب الشعوب الديمقراطي.
بعد توحد الدولة الى حد كبير مع سلطات حزب العدالة والتنمية والحركة القومية الشوفينية او مايعرف بتركيا حكومة الحرب الخاصة التي تشكلت عام 2015بعد انتخابات 7 حزيران في السنوات الأخيرة، اود التذكير ببعض اساليب الدولة التركية بالتدخل في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية الى طرف السلطة هو التهديد والسجن والاختفاء القسري واحيانًا اعادة الانتخابات وخلق ظروف مضطربة والهجمات العسكرية على مناطق معينة، فالتهديد الذي تلقاه عبدالله غول حتى لايترشح وتهديد محرم اينجى حتى لايعترض على نتائج الانتخابات ظاهرة بلا شك ووضع رؤوساء اكثر من 24 من رؤوساء بلديات حزب الشعوب الديمقراطي في السجون.
ووفقًا لتقرير "الوضع العالمي للديمقراطية-عام 2019" الذي أعده المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، فإن تركيا وهايتي تمثلان أكثر دولتين في العالم وصلت فيهما الحقوق الأساسية عند أدنى مستوياتها. وفي التقرير نفسه تُصنَّف تركيا على أنها الدولة الأكثر سوءًا في مستوى الأداء جنبًا إلى جنب مع كل من السلفادور وهايتي وغواتيمالا من حيث تحقيق العدالة والحريات المدنية والحقوق الاجتماعية-الاقتصادية.
مما سبق نجد ان الازمة في تركيا وتصرفات سلطات اردوغان وبخجلي المنافية للاستقرار والسلام والأمن في المنطقة والعالم ليست مشكلة حزب او شخص موجود بسلطة او تبديله بواحد جديد بل هي ببنية النظام وذهنيته الذي راكم المشاكل و القضايا بدل حلها حتى اصبح السلطات ترى ان السبيل الوحيد لاستمرارها هي تصدير مشاكلها والقفز فوق الاستحقاقات الداخلية والاعتداء على الداخل والجوار وهنا لن يكون في تركيا معارضة حقيقية لبنية النظام وذهنيته سوى التحالف الديمقراطي الموجود في حزب الشعوب الديمقراطي الذي سجن اردوغان حوالي 20الف من عناصره لخوفه من خطهم السياسي ،ذالك الخط السياسي الذي صفع تحالف الجمهور الذي شكله اردوغان وبخجلي في الانتخابات الاخيرة باسطنبول وانقرة وعدة مدن اخرى.