الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ابني عاق وبدعي ربنا يهديه ومش بيهتدي.. اعمل إيه.. علي جمعة يرد

ابني عاق بيا وبدعي
ابني عاق بيا وبدعي ربنا يهديه و مش بيهتدي.. أعمل إيه؟

قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إن عقوق الابن لوالديه قد يكون بداية العقوق التي تتعرض له شجرة العائلة؛ فلا يشترط أن يكون الأمر على سبيل العقاب ورد الدين.

وأضاف "جمعة" في إجابته عن سؤال ورد إليه خلال لقائه ببرنامج "والله أعلم" المذاع على فضائية "cbc" تقول صاحبته: "ابني عاق بيا وبدعي ربنا يهديه بس مش بيتهدي، ومن كتر زعلي بطلت ادعيله، مع العلم إني أنا ووالده كنا بارين بأهلنا جدًا؛ اعمل ايه؟»، أن الابن بدأ العقوق من أجل أن يعقه أبناؤه.

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن سيدنا نوح – عليه السلام- تعرض لمثل هذا الأمر مع ابنه وتفرط قلبه عليه، مستشهدًا بقول الله – تعالى- على لسان نوح – عليه السلام- « وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ»، ( سورة هود: الآية 42).

واختتم أن حكمة الله – تعالى- في أن يبدأ هذا الولد العقوق أنه سيجاز بعقوق أبنائه له، ويتألم مثلما كان سببًا في ألم أمه و انفطار قلبها عليه.

حثّ الشرع الحنيف على برّ الوالدين ورغّب فيه، وحرّم عقوقهم وعدّه من كبائر الذنوب، وجاءت النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة حاثّةً على البرّ ومحذّرةً من العقوق في حقّ الوالدين في مواطن كثيرةٍ.

ويمكن تعريف عقوق الوالدين بأنّه: كلّ سوء أدبٍ مع الوالدين؛ كرفع الصوت عليهما، وتقدّم المشي بينهما، ومنادتهما باسمهما المجرد والوصف الذي لا ينمّ عن الاحترام والتقدير، والتنكّر لمعروفهما، حتى إنّ كلمة أُفٍّ تعتبر من العقوق، حيث قال -تعالى-: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فكيف بالتكبّر، والحرمان، والاعتداء، والإهانة، والهجران.

ولا يقتصر العقوق على الأشكال المباشرة له؛ كأن يسبّ الإنسان والديه، بل قد يكون بشكلٍ غير مباشرٍ من خلال سبّه لوالدي شخصٍ آخر، فيسبّ ذلك الشخص والديه، فيكون بذلك عاقًّا لهما، كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ مِن أَكبَرِ الكبائِرِ أن يَلْعَنَ الرَّجُلُ والدَيهِ، قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وَكيفَ يَلعنُ الرَّجُلُ والديهِ؟ قالَ: يَسبُّ الرَّجلُ أبا الرَّجلِ، فيسُبُّ أباهُ، ويسبُّ أمَّهُ فيَسبُّ أُمَّهُ).

ويعد عقوق الوالدين ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للصحابة ذات يومٍ:(ألا أنبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ ثلاثًا؟ قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ، وجلَس وكان متكئًا، فقال: ألا وقولُ الزُّورِ).

وممّا يدلّ على عظم جريمة العاقّ في حقّ والديه، أنّه ملعونٌ على لسان نبي الرحمة عليه الصّلاة والسّلام؛ حيث قال:(لعن اللهُ من عقَّ والديهِ)، كما خوّف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- العاقّ من عذاب النار والحرمان من دخول الجنّة؛ فقال: (لا يدخلُ الجنَّةَ عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدمنُ خمرٍ، ولا مُكذِّبٌ بقدرٍ).

بالإضافة إلى أنّ العاق لوالديه يعتبر قاطعًا للرّحم، بل قاطعًا لأعظم رحمٍ أمره الله تعالى بوصلها؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ خلقَ الخلقَ حتَّى إذا فرغَ من خلقِهِ قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذِ بكَ منَ القطيعةِ قالَ: نعَم، أما ترضِينَ أن أصلَ من وصلَكِ وأقطعَ من قطعَكِ، قالت: بلى يا ربِّ قالَ: فهوَ لكِ).

يجدر بمن عقّ والديه بأيّ شكلٍ من الأشكال، أن يُسارع إلى التّوبة إلى الله -عزّ وجلّ- من هذا الذّنب العظيم، وتكون التّوبة من عقوق الوالدين: بالإقلاع عن العقوق، والنّدم على هذا الذنب، والعزم على عدم الرّجوع إليه، ثمّ إتباع ذلك بالأعمال الصالحة؛ لأنّ الأعمال الحسنة تُكفّر السيئات وتمحو الخطايا.

وممّا يُدلّل على ذلك قول الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه الكريم: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ)، و الاكتفاء بالاستغفار في حال عقوق الوالدين لا يُعدّ أمرًا كافيًا، وإنّما يجدر الحرص على التوبة، ثمّ الإحسان إلى الوالدين، وذلك بالاعتذار إليهما، والدعاء بالخير لهما، وتقبيل رأسيهما، واستعمال العبارات المُحبّبة إليهما عند الخطاب، والتواضع لهما، بالإضافة إلى إكرامهما ماديًا قدر الاستطاعة، وحريٌّ بالمسلم أن يستحضر أنّ التوبة من عقوق الوالدين هي أوبةٌ إلى الله -سبحانه وتعالى- قبل أن تكون إقبالًا وحبًّا لوالديه؛ وذلك لأنّ الله -عزّ وجلّ- قرن طاعتهما بطاعته، وعقوقهما بمعصيته.

ويجدر التذكير أنّ باب التوبة مفتوحٌ مهما اقترف الإنسان من ذنوب، بما فيها عقوق الوالدين، ولا يقتصر الأمر على امتناع المرء عن عقوق والديه، وإنّما يشمل منعه زوجته، وأولاده، وأصدقاءه من عقوق والديه أيضًا، وعليه أن يتستحضر أنّ عقوق الوالدين أمرٌ خطير للغاية؛ إذ لا ينفع المسلم صلاةٌ، ولا زكاةٌ، ولا أيّ أشكال العبادة إن كان عاقًّا لوالديه، ولربّما تسبّب عقوق الوالدين في حجب لسان المرء عن الشهادتين عند الموت. 
-السلف الصالح و بر الوالدين:
تحفل قصص السلف الصالح -رضي الله عنهم- بآثارٍ نافعةٍ وشواهد دالّةٍ على برّ الوالدين والإحسان إليهما، ومن هذه الشواهد:

١- كان علي بن الحسن لا يأكل مع والديه، وعندما سأله الناس عن سبب ذلك، قال: (ربما يكون بين يديّ لقمةٌ أطيب ممّا بين يديها وهما يتمنيان ذلك، فإذا أكلتها بخست حقهما).

٢- كان محمد بن سيرين يخفض صوته عند أمّه، ويكلمها كالمصغي إليها، حتى كان من يراه عند أمّه وهو لا يعرفه يظنّ أنّ به مرضًا.

٣- بكى إياس بن معاوية عند موت أمّه، فلما سأله الناس عن سبب بكائه، قال: (كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، وأغلق أحدهما).

٤- كان سعيد بن سفيان الثوري يقول: (ما جفوت أبي قط، وإذا دعاني وأنا أصلي في صلاة غير مكتوبة قطعتها وأجبته).

٥- رأى عبد الله بن عمر رجلًا يطوف بالكعبة حاملًا أمه على رقبته، فقال الرجل: (يا ابن عمر أتراني جزيت أمي بهذا العمل؟ فقال له: لا ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يجزيك بالكثير على القليل).

٦- كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقف عند باب أمّه إذا أراد الخروج من المنزل، ويقول: (السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته)، فترد عليه بالقول:(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، فيقول لها: (رحمك الله يا اماه كما ربيتني صغيرًا)، فتقول: (رحمك الله كما بررتني كبيرًا)، كما أنّه لم يحجّ حتى توفاها الله تعالى.

٧- قال جعفر سمعت عروة بن الزبير وهو ابن أسماء بنت أبي بكر، يدعو في سجوده قائلًا: (اللهم أغفر للزبير بن العوام ولأسماء بنت أبي بكر).

برّ الوالدين من وصايا الله -تعالى- لعباده، حيث أمر بذلك في العديد من مواضع القرآن الكريم، ويتحقق برّ الوالدين من العبد المسلم، بقيامه بالعديد من الأعمال، ومنها:

١- حفظ اللسان عند التحدّث مع الوالدين، والتأدب عند الحديث معهما، وعدم النطق بالكلام الذي يبيّن التضجر منهما؛ كالقول للوالدين: أفٍ، حيث قال الله تعالى: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)، وذلك يعدّ من الخطوات الأولى في طريق برّ الوالدين،.

٢- العمل على تحقيق السرور والفرح للوالدين، وذلك فعل ما يفرحهما عند حزنهما، والعمل على رضاهما عند غضبهما، ومما يدل على ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، لرجلٍ ذهب إليه يريد مبايعة الرسول على الهجرة، ولكنّه ترك والديه يبكيان عليه، حيث قال النبي له: (ارجِع إليهِما فأضْحِكْهُما كما أبكيْتَهُما).

٣- النفقة على الوالدين، حيث إنّها واجبةٌ على الابن، دون البخل والشح، أو المنّ عليهما، حيث سألت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- النبي صلّى الله عليه وسلّم، عن صلة أمّها، والبرّ بها، وهي كافرةٌ، فأجابها الرسول بجواز ذلك.

٤- موافقة رأي الوالدين، ما لم يكن في رأيهما إلحاق ضررٍ بأيّ أحدٍ من الناس، كما يجب طلب رضاهما عند الانشغال عنهما، وإجابة دعوتهما وطلبهما، وعدم المشي أمامهما؛ إلّا في حالات الضرورة، وكذلك يجب عدم الجلوس قبلهما، ومعاشرتهما بالإحسان والمعروف.

٥- الدعاء لهما بعد موتهما، حيث روى الصحابي أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).

وكذلك يجب إكرام أصدقاء الوالدين بعد وفاتهما، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ أبَرَّ البِرِّ صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه).

لرضا الوالدين على أبنائهما أهميةٌ بالغةٌ، تظهر في العديد من الأمور، وفيما يأتي بيان بعضها:

١- نيل البركة في العمر، والسعة في الرزق، وذلك يكون بعدّة صورٍ، منها: البركة في استغلال العمر بالطاعات والعبادات، ونيل التوفيق من الله تعالى، أو يكون بأنّ الملائكة عندما تعلم بأنّ العبد يصل رحمه، فتقوم بتغيير عمره بسبب وصله للرحم، حيث قال الله تعالى: (يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ).

٢- نيل الدعاء المستجاب من الوالدين، ومما يدل على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثُ دَعَواتٌ مُستجاباتٌ، لا شكَّ فِيهِنَّ: دَعوةُ الوالِدِ على ولدِهِ، ودعوُةُ المسافِرِ، ودعوةُ المظلُومِ)، وذلك إكرامًا للوالدين من الله تعالى.

٣- برّ الوالدين يدل على كمال الإيمان، كما أنّه من حسن إسلام العبد، كما أنّه من الطرق الموصلة إلى الجنة في الحياة الآخرة، وبه يرتفع ذكر العبد في الحياة الدنيا والآخرة.

٤- برّ الوالدين يعدّ من أسباب تفريج الهموم والكروب، وكشف الابتلاءات.