لا شك أن التصوف هو روح الإسلام وهو مقام الإحسان وذلك أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
ولا ريب أن كلمة صوفي مصطلح كبير لا يطلق إلا على قوم تخلقوا بأخلاق الله سبحانه وتعالى ولذا سموا صوفية
فالتصوف خلق وما زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف .
فالصوفي لين الجانب سهل الخليفة يعيش حياته في سلام نسبي مع كل من حوله من كافة المخلوقات .
وبهذا نرى أن مدرسة التصوف قامت على الحب والعطاء وأن فلسفتها:(الحياة أقل من أن تكون غاية ولكنها أهم من أن تنسى)
وبقراءة متأنية في كتب القوم نرى مدى اهتمامهم الكبير بالجانب الإنساني والنفسي في حياة مريديهم فوضعوا القاعدة:(من ليس له شيخ ليس له مولى ومن ليس له مولى فالشيطان به أولى)
فمن تحقق بالمجاهدة حظي بالمشاهدة فالمبتدى في فقه القوم مجاهد والمنتهي مشاهد .
وبهذا نرى أن التصوف حالة وجدانية تخطف الإنسان من دنيا المادة والجمود إلى عالم الروح عبر نافذة القرب من حضرة الخالق جل في علاه .
ولذا فليس تصوفهم انعزالا عن الحياة بالكلية بل هو رهبانية بالليل وفروسية بالنهار.
ولعل جراء هؤلاء المندسين ألصقت بالتصوف التهم الثقال والذي هو منها براء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام .
وإذا كنا نقرر هنا أن التصوف هو مشاركة قضايا الوطن والدفاع عن وحدته وسلامة أراضيه فإننا نستدعي من مضبطة التاريخ تحرك أقطاب الولاية دفاعا عن الأمة وأمنها القومي ببطولات كبيرة وقف أمامها التاريخ منحني الهامة لهؤلاء الأفذاذ مسطرا بطولاتهم بمداد من النور على صفحات ناصعة البياض من الفضة.
فتذكر لنا بطون الكتب تحرك قطب التصوف الكبير السيد أحمد البدوي بمقاتلة التتار بكل بسالة وفروسية دفاعا عن أمته وهويتها .
وهما قطبا رحى التصوف في العالم أجمع وغير ذلك كثير وكثير وحديثا عمر المختار في ليبيا الشقيقة محارب الاستعمار وعبد القادر الجزائري في الجزائر .
فإذا حمي الوطيس واشتد الوغى لم يكن أحد اقرب للعدو من أهل الله كيف لا ؟وهم قوم انتصروا على عدوهم الأكبر ألا وهو النفس فبات انتصارهم على عدوهم الأصغر سهلا ميسرا فهنيئا لهم من قوم تاجروا مع الله فربحت تجارتهم .
على أعتاب اريحيتهم وخلواتهم تتكسر هامات كل متنطع أخذ من التدين ستارا لأفعاله العدوانية ضد الأوطان .
فلم تفرخ خلواتهم متطرفا أو متشددا عبر تاريخهم المشرف ولذا ترى أنهم منغصة لهؤلاء المتآمرين على أوطانهم .
ولقد رأينا كيف يكيل امثال هؤلاء قصار الذيول وابلا من السب والتجريح للقطب البدوي لا لشئ سوى انه يمثل نقطة ارتكاز التصوف في وسط الدلتا ولكون جامعه الأحمدي بمدينة طنطا صنوا للجامع الأزهر الشريف ناشرا للوسطية ومدافعا عن الدين القويم ضد شرود المارقين الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
ها وقد رأينا في الآونة الأخيرة سعي العديد من الدول الإسلامية مثل مصر والجزائر والإمارات والسودان وتونس والمغرب والسنغال إلى تشجيع حركات التصوف، ضمن استراتيجية واسعة للتصدي للتطرف بشتى الصور
فالتصوف الإسلامي، يعد مؤشرًا على أن الجانب الروحي لا يزال يجذب المتخصصين في الدراسات الإسلامية وغيرهم، كما أنه من الواضح أن تغليب هذا الجانب يساعد كثيرًا على إبراز صورة الإسلام الحقيقية، التي ترتقي بالروح وتحث العقل على التدبر والتعمق في أسرار الوحي القرآني، ومن ثم ينأى بالنفس عن الكراهية والتنازع والتعصب، وغيرها من صفات ممقوتة، لم تأتِ الرسالات السماوية بشيء منها، بل نبذتها ونهت عن اقترافها.
ولا شك أنه في فترات سابقة كانت قد سيطرت الأفكار المتشددة على خطب المساجد وارتفع صوت التطرف وخرجت من رحمه جماعات إسلامية تعلن الجهاد وترهب العامة.
ورأى الكثير من العلماء أن تلك القيم يمتلك تقديمها المتصوفة لأن لديهم فلسفة فكرية تقوم على المحبة والعشق الإلهي وترويض النفس، بعيدا عن فرض الشرائع عنوة وتكفير الآخرين قسرا.