الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز ليلا؟.. الإفتاء تحدد أوقات يكره فيها دفن الميت

هل يجوز ليلًا ..
هل يجوز ليلًا .. الإفتاء تحدد أوقات يكره فيها دفن الميت

يقوم أهل قريتي بدفن موتاهم في أي وقت من الليل، فهل يبيح الشرع ذلك؟.. سؤال ورد على صفحة دار الإفتاء المصرية، وذلك عبر موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك.

وأجابت دار الإفتاء قائلة: بأنه يجوز الدفن ليلًا بلا حرج، وإذا رأى أهل الميت الانتظار حتى النهار لتكثير عدد المصلين على الميت والمشيِّعين له فذلك أفضل.

حكم الدفن ليلا.. الإفتاء تحدد أوقاتا يكره فيها دفن الميت
قالت دار الإفتاء، إنه يجوز الدفن ليلًا بإجماع أهل العلم؛ مستدلة بقول الشيخ الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (2/ 221، ط. دار الفكر): [الدفن ليلًا جائز؛ نقله في "النوادر"، وقول النووي: في دفن فاطمة ليلًا جواز الدفن بالليل، وهو مجمعٌ عليه، لكن النهار أفضل إذا لم يكن هناك عذر.

وأضافت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «ما حكم الدفن ليلًا؟»، أن الدفن ليلا كرهه بعض العلماء مع الإباحة؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَليحسن كَفَنَهُ».

ونقلت قول الإمام النووي في إباحة الدفن ليلًا حيث قال في "شرحه على مسلم" (7/ 11، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره؛ واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دُفِنوا ليلًا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء، والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلًا، وسألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فقالوا: توفي ليلًا فدفنَّاه في الليل، فقال: «أَلَا آذَنْتُمُونِي؟» قالوا: كانت ظلمةً، ولم ينكِر عليهم. وأجابوا عن هذا الحديث: أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل؛ وإنما نهى لترك الصلاة، أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع كما سبق].

أوقات الدفن المنهي عنها
أكدت دار الإفتاء أن صلاة الجنازة ودفن الميت قبل المغرب جائز شرعًا، مشددة على أن يكره تعمد تأخير الدفن إلى هذا الوقت، منوهة بأن عقبة بن عامر الجهنى رضى الله عنه قال: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّى فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ -أى تميل- الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ" رواه مسلم.

وعرضت قول الإمام النووى قال فى "شرح صحيح مسلم: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا"، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِى هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، ويُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّفْنُ فِى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ، فَلَا يُكْرَهُ".​

طريقة دفن الميت عند ازدحام القبر
الت دار الإفتاء المصرية، إنه مِن المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ دَفنَ الميت فيه تكريمٌ للإنسان؛ لقول الله – تعالى- في مَعرِض الِامتِنان: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ ۞ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا»، ( سورة المرسلات: الآيات 25-26).

وأضافت « الإفتاء» فى إجابتها عن سؤال: «هل دفن الموتى فوق بعضهم عند الاذدحام فيه أثم؟»، أن الإسلامُ حَثَّ على تكريم الميت، وأَجمَعَ المسلمون على أنَّ دَفن الميت ومُوَارَاةَ بَدَنِهِ فرضُ كِفَايَةٍ؛ إذا قام به بَعضٌ مِنهم أو مِن غيرهم سَقَط عن الباقين.

وأوضحت أنه في حال امتلاء القبور يجب الدفن في قبور أخرى؛ لأنه لا يجوز الجمع بين أكثر من ميت في القبر الواحد إلا للضرورة، ويجب الفصل بين الأموات بحاجز حتى ولو كانوا من جنس واحد.

وتابعت أنه إذا حصلت الضرورة فيمكن عمل أدوار داخل القبر الواحد إن أمكن، أو تغطية الميت القديم بقَبْوٍ مِن طوب أو حجارة لا تَمَسّ جسمه ثم يوضع على القَبْو الترابُ ويدفن فوقه الميت الجديد، وذلك كله بشرط التعامل بإكرام واحترام مع الموتى أو ما تبقى منهم؛ لأن حُرمة المسلم ميتًا كحُرمته حيًّا.

السلام على الميت عند القبر
قالت دار الإفتاء، إنه يستحب للمسلم زيارة القبور والسلام على أهلها، والميت يعرف المسلِّم عليه ويرد عليه السلام، مشيرًا إلى قول الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب": [قال أصحابنا رحمهم الله: ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيًّا وزاره].

وأضافت« الإفتاء فى إجابتها عن سؤال: «ماذا يقال عند السلام على الميت، وهل يرد عليه؟»، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- شرع لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين»، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به، وهذا ما نقله الإمام ابن القيِّم في كتابه "الروح" .

وأوضحت أن الميت يشعر ويستأنس ويفرح بمن يزوره، ويرد عليه السلام؛ فذكرالإمام المناوي في "فيض القدير": [وقال الحافظ العراقي: المعرفة ورد السلام فرع الحياة ورد الروح، ولا مانع من خلق هذا الإدراك برد الروح في بعض جسده، وإن لم يكن ذلك في جميعه].

وتابعت " فالموت ليس معناه فناء الإنسان تمامًا، ولا هو إعدام لوجوده الذي أوجده الله له، بل إن الموت حالة من أصعب الحالات التي يمر بها الإنسان؛ حيث تخرج فيها روحه؛ لتعيش في عالم آخر، فخروجها من الجسد الذي كانت بداخله صعب، فالموت هو مفارقة الروح للجسد حقيقة".

واستشهدت بما روى عن بريدة - رضي الله عنه- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ»، أخرجه مسلم في "صحيحه".

واستدلت على رد الميت للسلام بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ»، أخرجه تمام في "فوائده"، والبيهقي في "شعب الإيمان".

واختتمت بأنه صحّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-: أنه أمر بقتلى بدر، فأُلقوا في قَلِيب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: «يَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، وَيَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإنَّي وَجَدت ما وعدني ربي حقًّا»، فقال له عمر -رضى الله عنه-: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم-: «والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ مَا أَنتُمْ بِأَسْمَع لِمَا أَقُولُ مِنهُم، وَلَكِنَّهُم لَا يَستَطِيعُونَ جَوابًا»، أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" بألفاظ مختلفة.