الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بالميكروباصات| صحفي بريطاني يكرر رحلة صلاح اليومية من نجريج إلى المقاولون بحذافيرها

جدارية لـ محمد صلاح
جدارية لـ محمد صلاح في نجريج

بينما يستمر النجم المصري محمد صلاح في مواصلة الصعود خلال مسيرته الاحترافية، حيث وصل إلى ما لم يصل إليه أي لاعب مصري في التاريخ، ولا يزال يظهر إصراره على المضي قدما وتحطيم الأرقام وبلوغ أبعد نقطة ممكنة، جاذبا أنظار وقلوب الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم، باتت قصة صعوده ظاهرة يسعى الجميع إلى دراستها وتلقي الإلهام منها.

وهذا ما فعله صحفي بريطاني بموقع "The Athletic" ، سيمون هيوز، حيث أجرى تحقيقا يتتبع مسار رحلة صلاح من مسقط رأسه بقرية نجريج بمحافظة الغربية، ليعيش المعاناة والمشقة التي كان يتحملها صلاح في سبيل حلمه، الذي توج حتى الآن بفوزه بلقب دوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي مع نادي ليفربول الإنجليزي واقترابه من الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز الغائب عن الأنفيلد من 30 عاما، وفضلا عن منافسته على لقب أفضل لاعب في العالم وتتويجه بهداف وأفضل لاعب في الدوري الإنجليزي وحصوله لمرتين متتاليتين على لقب أفضل لاعب أفريقي.

يبدأ الصحفي قصته التي جاءت تحت عنوان "إحياء طريق صلاح الذي لا يؤدي غالبا إلى النجومية..بدءا من ميكروباص في نجريج"، بحوار مع سيدة مصرية.

"من هناك، أنا ذاهبة بنفس الطريق"، قالت سيدة ترتدي الخمار وتحمل وعاءا كبيرا من الصلب فوق رأسها مملوءا عن آخره بملابس تنتظر الغسل، مشيرة إلى طريق ترابي يكفي عرضه بالكاد لمرور مركبات صغيرة، كاشفة عن أيدي مزينة بأوشام من الحناء. ونبهتني بلهجتها المحلية التي تبدو غاضبة من الذهاب بواسطة الميكروباص إلى القاهرة قائلة:"إنه طريق طويل..لا يفكر كثير من الناس في هذا..إلا إذا كنت محمد صلاح بالبطبع".

بقول هيوز إن "الجميع في نجريج ، الواقعة في دلتا النيل التي أحاول مغادرتها، يعرفون ماذا فعل صلاح عندما كان طفلًا. في جميع أنحاء مصر، أصبحت القصة أسطورية وأضيفت إليها طبقات مع مرور السنين. في وقت لاحق في القاهرة، أخبرني صحفي عن الميكروباصات الـ"خمسة أو ستة" التي كان على صلاح أن يستقلها فقط ليتدرب على بعد 90 ميلًا. "15 ساعة من السفر في نفس اليوم" ، كان يبتسم ، كما لو كان قد ضحى بوقته شخصيا.

في نجريج، لا بد أن يكون من المغري لهؤلاء الناس القادرون على الاستفادة من شهرة صلاح، أن يكونوا على نفس المستوى من التعصب للقصة، فكلما كبرت الأسطورة، كبرت فرص نجاح نجريج في أن تكون جزءا أساسيا من القصة، لأن هذا هو المكان الذي ولد فيه أكثر لاعب كرة قدم أيقوني في الجيل الحالي في أفريقيا.

لكن عمدة نجريج، يعتقد أنه من المهم أن تكون الأمور في نصابها، لأنه رأى كيف تخرج الأمور عن السيطرة. كان من المستحيل على صلاح الاستمتاع بوقته أو حتى أداء بعض الصلوات في الصيف الماضي عندما عاد إلى نجريج بسبب الحشود التي جاءت من أماكن أخرى في شمال مصر لمجرد رؤيته.

وقال العمدة ماهر شتية إن كرم صلاح هو الذي ساعد نجريج أكثر من غيره. وأضاف أن قصة كفاح صلاح ومعاناته حقيقية، حيث كان يستقل من 3 إلى 4 ميكروباصات عادة للذهاب إلى التمرين مستغرقا من من 3 إلى 5 ساعات.

وحكى شتية أن في حال علقت حافلة صلاح في الزحام المروري في القاهرة وهو في طريقه إلى منزله عائدا من نادي التدريب في نادي المقاولون في مدينة نصر، إحدى المدن الأكثر اكتظاظا في القارة، غالبا لا يلحق بميكروباصات، وينتهي الأمر به منتظرا لوقت طويل مرور إحداها في الظلام.

وشرح هيوز أن صلاح كان عليه أن يمر من نجريج إلى مدينة بسيون،حيث ولد أحمد المحمدي نجم أستون فيلا الإنجليزي، ثم إلى مدينة طنطا، حيث يستقل ميكروباصا إلى ميدان رمسيس في القاهرة، ومنه إلى مدينة نصر، والأمر نفسه عند العودة حيث يصل إلى منزله في منتصف الليل.

ويعلق: كانت هذه حياته لمدة عام عندما كان عمره 12 عاما تقريبا، ويخوض هذه الرحلة الشاقة لـ 5 مرات أو 3 مرات في الأسبوع على الأقل، في بعض الأحيان كان والده يرافقه، وأحيانا والدته، لكن ليس دائما.

ويضيف: يبدأ التمرين في القاهرة بنادي المقاولون الساعة 4:30 مساء، أي أن عليه مغادرة نجريج قبل منتصف النهار، وحتى في منتصف فصل الشتاء، يكون الجو دافئا في هذا الوقت، وتكون درجة الحرارة مرتفعة للغاية بالنسبة لحمار يختبئ في الظل مرتاحا من جر العربة "الكارو"، فإن جميع المصريين في الريف ارتدوا معاطف ثقيلة عندما كان موقع "The Athletic" يحاكي مسار رحلة صلاح اليومية قبل أن يصبح نجما عالميا. وشرحت لي المرأة ذات الخمار أن ذلك بهدف لوصول إلى درحة سخونة الجو في فصل الصيف، وذلك أثناء تسلقها سيارة الميكروباص التي ستقلنا إلى بسيون.

وقال هيوز:"حذرني العمدة من خطورة الميكروباص وبعث لي رسالة عبر واتساب بالعربية تقول: تمسك بشئ وإلا فسوف تضرب رأسك".

مغادرة نجريج بواسطة الميكروباص، بداية رحلة صلاح

في هذا الجزء يحكي هيوز تفاصيل رحلته من نجريج إلى نادي المقاولون في مدينة نصر.

ويقول: هناك 3 أولاد في الميكروباص، أكبر قليلا من صلاح عندما كان يقوم بهذه الرحلة، إنه يوم الأربعاء وقد أنهوا المدرسة في وقت مبكر، يلاحظون الدخيل الأوروبي الذي يشاركهم المواصلة نفسها.

بعض التحديق القصير وبعض الضحكات، حتى وصلنا إلى كفر المنشي. على طريق أوروبي في مركبة أفضل حالا، سيستغرق الوصول إلى هناك 5 دقائق، لكن هذه المسافة تطلبت نصف ساعة هناك. لا يوجد هناك طريق بالمعنى الحرفي، لكن سلسلة من المنخفضات والحفر والمطبات. إنني اتساءل عن متانة الهيكل المعدني للميكروباص، والذي يثير الدهشة، بالنظر إلى الأوساخ المغطى بها، إلا أنه مزين من الداخل بفراء أصفر ودمى دببة وبطة مطاطية تتدلى من السقف.

أشار السائق إلى أنه يمكننا أن نتجاوز المرور بطنطا والاكتفاء ببسيون. هناك طرق مباشرة مع القاهرة أكثر مما كان الوضع عليه قبل 15 عاما (حين كان صلاح طفلا). لكن ما دمت بصدد إحياء مسار رحلة صلاح، قررت أنه من الأفضل المرور عبر طنطا.

انتظرت لمدة 15 دقيقة حتى يمتلئ الميكروباص، بينما القرآن يتلى على الراديو والأبواب مفتوحة، ما يسمح بدخول الذباب. "مقهى" يبيع عصير قصب السكر يساعد على جلب الصبر وينعش أطراف الجسد المداعية. الميكروباصات غير مصنوعة للأشخاص ذوي الأرجل الطويلة. إحدى ساقي تنملت بالفعل. قضيت مدة تقل عن الساعة من الرحلة.

القاهرة توقظ (حواسك) أنفك وما تحت أظفار أصابعك (يحكي عن الزحام الشديد والضجيج)، يمكنك شمها على شعرك والإمساك بها من أذنيك. (أماكن) الوصول شئ لا ينسى، حتى لو كانوا في الثالثة صباحا ويدخلون من بوابة المطار بدلا من جنون مواقف ميدان رمسيس.

السائقون يقودون بسرعة في أي مساحة، ومع الوقت تجد نفسك تتقبل هذا النهج الذي ربما بسبب الزحام الهائل، الذي يخف فقط بسبب استعداد السائقين لإيجاد حلول وتنفيذها مهما كانت جريئة.

فرامل السيارة فيما تبدو ملتصقة بأبواق السيارات. أبواب الميكروباص تتأرجح من دون سابق إنذار لأن الأقفال محطمة،. أثناء تباطؤ الميكروباصات عند الوقوف بإشارات المرور، يتبادل السائقون الولعاتا والسجائر على الرغم من أن محركاتهم لا تزال تعمل والإطارات لا تزال تسير. بمجرد أن تخرج من سيارة أجرة، تظهر واحدة أخرى تحاول إقناعك بالركوب مجددا.

ويحكي نكتة: بين الجالية المغتربة في ضواحي أكثر هدوؤا مثل المعادي، هناك نكتة عن السفارة المصرية. إذا سألت رجلا في الشارع عن مكان السفارة المصية، فسوف يدلك عليها باتجاهات منطقية، على الرغم من أنه بالطبع لا توجد سفارة مصرية في القاهرة. المدينة التي يبدو أن الجميع يسير فيها برخصة مرشد سياحي، والخدمة التي لم تعرف أبدا أنك بحاجة إليها على بعد أمتار قليلة.

بعد تلك الرحلة الشاقة:"لا يمكنك أن تتخيل مدى الإحساس المرعب الذي شعرت به لصلاح كصبي ريي، وصل إلى القاهرة لأول مرة في الثانية عشرة من عمره بهدف بداية مسيرته في كرة القدم".
"لا أعتقد أنه كان هنا قبل انضمامه إلى المقاولون" كما يقول رئيس قطاع الناشئين بالنادي، الكابتن رفعت رجب (ريعو)، الذي أحضر صلاح ووالديه إلى شقته بعد عام من التنقل، والذي حكى أنه كان متحمسا للغاية بعدما أقنع رؤسائه بشراء مساكن بالقرب من ملعب التدريب حتى يتمكن اللاعبين الصغار مواليد 1992 و1993 الذين يأتون من أماكن بعيدة من الإقامة والتركيز أكثر على تطوير مهاراتهم في كرة القدم.

ويصف الصحفي الكابتن ريعو بأنه اللاعب المصري الأسطوري الذي ساعد في تحديث قطاع الناشئين في المقاولون من خلال زيارة أوروبا والعودة بأفكار جديدة.