الجهات التي تدفع في هذا الاتجاه، ليست بعيدة، فسرعان ما كشفت عن وجهها، وهي حركة حماس في لبنان، فما إن أعلن ترامب عن صفقة القرن، حتى خرجت جموع الفلسطينيين في لبنان رفضا لبنود الصفقة، وكان هذا الخروج بارزا أكثر في لبنان عن أي مكان آخر، ثم تكشف الوجه الحمساوى بشدة مع البيان الوزاري حيث انتقد جهاد طه، نائب المسئول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في لبنان، عدم إدراج الحقوق الإنسانية والمدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، في البيان الوزاري الذي أقره المجلس النيابي اللبناني.
ولا شك أن صفقة القرن وتظاهرات الفلسطينيين في لبنان خلقت حالة من القلق لدى العديد من القيادات اللبنانية وأن يتم صرف الانتباه عن الاهتمام بقضيتهم الرئيسية ومطالبهم الاحتجاجية لصالح التظاهر ضد صفقة القرن، وهم يعلمون من وراء ذلك، وهي حركة حماس التي تحظى بقوة وتواجد كبيرين في الساحة اللبنانية، الأمر الذي يأتي على حساب المطالب السياسية اللبنانية، وهو ما نبهت إليه إحدى الصحف البريطانية أن للكثير من القيادات التابعة لحركة حماس مطالب، وهي المطالب التي لن تتوقف لأي تطور سياسي مهما كان، وستسعى قيادات حماس إلى تنفيذها وبقوة مهما كان الثمن، فمن من غير المخفي أن لحماس مصلحة في تزايد المظاهرات في لبنان وعدم الاستقرار الداخلي في الدولة، وذلك طمعًا في تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وهو ما تجلى في هدف حماس في التظاهر ضد "صفقة القرن" عبر عمليات استفزازية ضد إسرائيل.
في حال افتعالها لعمليات كهذه على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، فإنها في ذلك تجر لبنان إلى حرب غير مرغوب بها ولا دخل له بها، وبدا ذلك واضحا في الخطاب الإعلامي لحركة حماس في لبنان، سواء عبر المواقع الالكترونية الخاصة بالحركة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي المتعددة بها ، خاصة في المخيمات الفلسطينية المنتشرة في ربوع لبنان بحيث يمهد الطريق لعناصر الحركة نحو الوصول لمنطقة الحدود الإسرائيلية اللبنانية ومحاولة اقتحامها ردا على هذه الصفقة.
لكن المرء يحار كثيرا عن غياب المصلحة الأهم للفلسطينيين عامة وقطاع غزة خاصة، فبينما تعقد غزة عديد الاتفاقات مع إسرائيل في شأن الهدنة معها وهدمها، تنسي مصلحة قطاع غزة الذي يئن تحت خطوط الفقر والأزمة الغذائية وانقطاع الكهرباء المستمر، وهو حقل الغاز " غزة مارين" فمنذ أكثر من 20 عاما اكتشِف الحقل باحتياط يقدر بنحو تريليون قدم مكعبة، تكفي استهلاك القطاع لـ 15 سنة، ورغم مرور كل هذه السنوات، لا يزال هذا الحقل الفلسطيني البحري دون تطوير، وذلك بسبب رفض إسرائيل المستمر لتطويره.
برغم أن التفاوض حوله بات ممكنا الآن بعد دخول فلسطين في منتدى غاز المتوسط وصار بالإمكان التفاوض والوصول لحلول، خاصة أن الأطراف التي تتدخل من أجل تثبيت الهدنة بين حماس وإسرائيل موجودة وعلى استعداد لذلك، خاصة بعد أن ارتأت شركة "شل" عدم تطوير الحقل والإنتاج منه، وقامت بعرض حصتها في "غزة مارين" للبيع، حيث يبحث الشريكان العربيان، شركة اتحاد المقاولين وصندوق الاستثمار الفلسطيني، على إيجاد شركة نفطية للعمل معهما في الحقل، وإيجاد الطرق المناسبة لاستغلال ثروته الغازية، فهل تستجيب حماس لنداء العقل والنظر إلى المصلحة الفعلية لها ولسكان القطاع المظلومين.