الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من داخل القلعة.. كيف أوقعت سيدة متواضعة برجل موسكو في قلب المخابرات الأمريكية؟

الجاسوس الأمريكي
الجاسوس الأمريكي ألدريتش إيمز

في مثل هذا اليوم، 21 فبراير من العام 1994، كان الضابط بوكالة المخابرات الأمريكية ألدريتش إيمز يتهيأ للسفر إلى العاصمة الروسية موسكو.

وربما يبدو طبيعيًا أن يسافر رجل مخابرات أمريكي إلى موسكو لتنفيذ أو متابعة عملية استخباراتية ما على أراضي الخصم الأكبر للولايات المتحدة، لولا تفصيلة صغيرة؛ فإيمز لم يكن ذاهبًا إلى موسكو في مهمة لحساب وكالة المخابرات المركزية، وإنما للقاء رؤسائه الحقيقيين- مسئولي جهاز المخابرات الروسية- كان إيمس عميلًا مزدوجًا وكان ولاؤه الحقيقي للروس.

قبل ذلك اليوم بنحو 36 سنة، عام 1958، التحقت موظفة شابة تُدعى جين فيرتفول بالعمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، وتولت وظيفة بسيطة ككاتبة على الآلة الكاتبة بإحدى إدارات الوكالة.

على أن طموح فيرتفول المختفي وراء مظهرها المتواضع وسلوكها المهذب لم يقف عند هذه الوظيفة الروتينية البسيطة، فاستغلت اتجاه وكالة المخابرات المركزية لإتاحة تولي النساء مهام استخباراتية، وتقدمت لتنفيذ مهمات للوكالة في مناصب مختلفة خارج الولايات المتحدة.

تعلمت فيرتفول اللغة الروسية حتى أتقنتها، ووجدت ما يشبع شغفها في العمل بمجال مكافحة التجسس، وعملت بجدية شديدة وذكاء نادر في هذا المجال وترقت في عملها لتصبح أحد أهم عملاء المخابرات الأمريكية، إلى أن جاءتها الفرصة عام 1985 لتدخل التاريخ.

في ربيع هذا العام لاحظت وكالة المخابرات المركزية أن عملائها في الاتحاد السوفييتي يتساقطون تباعًا وبوتيرة سريعة على نحو غير طبيعي في قبضة المخابرات السوفييتية، وعهدت إلى فيرتفول وفريقها المكون من 4 أفراد سواها بتتبع واكتشاف الثغرة التي تكشف هوية عملاء الوكالة للسوفييت.

كانت تلك مهمة طويلة ومرهقة ومعقدة، خاصة وأن العديدين من مسئولي وكالة المخابرات المركزية كانوا يرفضون تصديق وجود جاسوس خائن في صفوف الضباط والعاملين بالوكالة، وكانوا يرجحون أن أجهزة مخابرات أجنبية تتجسس على اتصالات الوكالة.

وبعد تحريات طويلة ومكثفة توصلت فيرتفول وفريقها إلى الثغرة الخطيرة في قلب وكالة المخابرات المركزية: ألدريتش إيمز، الذي كان عضوًا بفريق مكافحة التجسس السوفييتي بالوكالة، وبدأ ولاؤه يتحول ويعمل لصالح السوفييت عام 1985.

ولد ألدريتش هازن إيمز في مايو 1941 بولاية ويسكونسن الأمريكية، وكان والده ضابطًا بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فكان إيمز الابن يلتحق بالعمل بمهام مكتبية بسيطة بوكالة المخابرات أثناء عطلات دراسته الثانوية.

وبعدما أنهى دراسته الأكاديمية في جامعة جورج واشنطن متخصصًا بالتاريخ، التحق رسميًا بالعمل في وكالة المخابرات المركزية عام 1962، وفي 1969 تزوج زميلته في الوكالة نانسي سيجيبارث التي تعرف عليها أثناء فترة تدريبه.

كان موقع إيمز الخطير بوكالة المخابرات المركزية يوفر له غطاءً ممتازًا، لأنه كان يخوله سلطة الالتقاء بضباط سوفييت بشكل طبيعي وفي مهام رسمية، لكنه لم ينتبه جيدًا إلى عين يقظة استلفتتها تحركاته المريبة؛ عين فيرتفول التي بدأت تتشكك في سلوك إيمز في نوفمبر 1989.

بالرغم من ذلك، لم تعثر فيرتفول على دليل قاطع يثبت خيانة إيمز، فظلت مع فريقها تراقبه لثلاث سنوات، إلى أن تنبهت زميلة فيرتفول بالفريق ساندي جريمز في أغسطس 1992 لشيء مريب يتعلق بإيمز: حسابه المصرفي. اكتشفت جريمز أن إيمز كان يودع مبالغ كبيره من المال في حسابه المصرفي بعد كل مرة يلتقي فيها مسئولًا سوفييتيًا بعينه، وبحلول عام 1994 كان إيمز قد تلقى من المخابرات الروسية مبالغ متفرقة مجموعها 2.5 مليون دولار، وكان لديه حساب مصرفي آخر في روسيا يضم 2.1 مليون دولار.

من هذه النقطة تولى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) مراقبة وتتبع ألدريتش إيمز، وتمكن من زرع أجهزة تنصت ومراقبة داخل منزل إيمز وسيارته وجهاز حاسوبه الشخصي.

وفي 21 فبراير 1994، بينما كان إيمز يتهيأ للسفر إلى موسكو تحت غطاء مهمة عمل روتينية، قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي توجيه ضربته، وانقض عملاؤه على إيمز يلقون القبض عليه خارج منزله، كما ألقوا القبض على زوجته نانسي، التي كانت تشاركه العمل لحساب المخابرات الروسية، وفي 28 أبريل 1994 أدين إيمز بتهمة التجسس وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، بينما أدينت زوجته بتهمة التهرب الضريبي والتخطيط للتجسس وحُكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات.