قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عبدالرحمن الصادق يكتب: زكاة الفطر .. رؤية حضارية




لاحظت كما لاحظ الكثيرون غيري، حضور الجدال الممجوج، والنقاش المحموم، حول مسألة إخراج زكاة الفطر طعاما أم نقودا؟، هذا العام بعد أن كادت تطفئ جذوة هذا الخلاف المكرور والمعاد، في الأعوام القليلة الماضية، وكأن هذه الأمة كتب عليها أن تظل غارقة في جزئيات الأحكام والإمعان في التفاصيل، كل ذلك على حساب الكليات الكبرى لهذه الشريعة الغراء، والمقاصد العليا لهذا الدين الخالد، من الإخلاص والعمران والشهود على سائر الأمم.
تستنزف المساحات الإعلامية، واللقاءات التفاعلية، والحوارات الشبابية، وعلى صفحات مواقع التواصل وغيرها، لنذهل بعد كل هذا الاستهلاك من الوقت والطاقة، عن الوقوف عند الحكم والغايات التي ابتغتها الشريعة السمحة من وراء هذه الواجبات المالية، وغيرها من التكاليف الشرعية.
وعند التأمل في شأن زكاة الفطر لنصل إلى الحكمة من مشروعيتها، نجد أول ما نجد هذه الحكم التي أوردها رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه عن صدقة الفطر ( طهرة للصائم من اللغو والرفث ) بمعنى أن نفسية المسلم قد تصاب بداء الشح أو الحرص والطمع فيأتي ليخرج زكاة الفطر من أغلى وأعز ما اكتسبه من أموال، إلى الفقراء والمحتاجين، طيبة بها نفسه، فيتحلى بالجود والكرم والقناعة.
كما أنها تطهر الصوم ذاته مما علق به من آفات وعيوب، تحول بين الصيام وبين ارتفاعه لدى رب العالمين، ففي الحديث الذى رواه ابن شاهين بسند جيد ( صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر..) أي أن هذه الصدقة قد صفت الصوم وطهرته من هذه الآفات والنقائص، بحيث أهلته أن يرفع إلى السماء ويتلقاه الله بالقبول( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
ثم نأتي إلى الحكمة الأخرى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( وطعمة للمساكين) أي أنها شرعت للتوسعة على الفقراء والمساكين وإدخال السرور عليهم ، لا أنها شرعت لإعناتهم أو التلاعب بهم، أو إساءتهم، ومن هنا يقول صلى الله عليه وسلم-: ( أغنوهم عن السؤال يوم العيد).
وإذا علمنا أن هذه الزكاة تتعلق بالأبدان لا بالأموال: حيث يخرجها الغني والفقير الذي يملك قوته وعياله (حتى قال البعض في شأن تصدق الفقير على من هو مثله أو من هو دونه: إنها أشبهت تبادل الهدايا)، نقول: أن يتصدق الغني فهذا أمر معتاد، أما أن يتصدق الفقير فهذا هو الذي يسترعي التأمل وإعمال الفكر، كأن شهر الجود والكرم يقول: للفقير إن كان الأغنياء يتذوقون طعم البذل والعطاء بفضل الأموال التي لديهم، فلتتذوق أنت أيضا طعم البذل والعطاء والجود في شهر الجود ، فيتحول في هذه الحالة من يد آخذة إلى يد معطية وإلى يد عليا، فلك أن تتخيل سعادة هذا الفقير بمعنى العطاء وكرم، وهذا رقي حضاري في هذه الشعيرة المباركة ( زكاة الفطر)، فحُق لهذ الأمة أن تتباهى به على سائر الأمم حيث لا يوجد فيما نعرف ما يماثل هذا المعنى الحضاري، ومعنى آخر أن يعطي الفقيرُ غيره من أصحاب المسكنة، هذا يدل على أنه تيسرت معه الأحوال المعيشية لدرجة أنه أصبع يعطي ويمنح، إنه شهر البر وإعطاء والجود والنقاء.