الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المتفرجون


لم يكن يملك إلا كلمات قليلة يبدأ بها يومه "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" يهبط درجات السلم مع أول خيوط النهار، زوجته الطيبة تردد خلفه دعوات أن يحفظه الله من المرض ومن الوباء الذى يطارد الكل، يكاد قلبها ينخلع خوفا عليه وهو الذى يخرج بحثا عن الرزق، الرجل الذى يقترب عمره من الستين لم يمد يده أبدا لمخلوق، دائما يردد الحمدلله رأس المال في الصحة، يخرج إلى شوارع المدينة يعرض خدماته على الجميع، يحمل البضائع من محل إلى آخر، من وقت إلى آخر يترقب أحد المشترين من بائع الخضراوت ليوصله إلى منزله، وفي مرات أخرى يمسح سلالم العمارات، وفي نهاية اليوم يعود إلى منزله حاملا الطعام والبهجة إلى أسرته الطيبة.


في اليوم التالي، الشاب الذى يسكن في الدور الثالث بالعمارة التى يمسح سلالمها الرجل الطيب، كان يتجول على صفحته في "فيس بوك" عندما توقف أمام "بوست" نشره أحد أصدقائه يتحدث فيه عن "وعى المصريين" وكيف أن الجميع لا يملكون أى وعى أو تحضر في التعامل مع خطر كورونا وأن ارتفاع عدد المصابين سببه الجهل والتخلف وأن هؤلاء المتواجدين في الشوارع والمواصلات السبب في كل بلاء سيحل على البلاد، الفكرة نالت إعجابه، وبدأ هو الآخر يتهم المواطنين بالإهمال والتقصير، وتساءل كيف لرجل كبير يترك منزله في هذه الظروف ليمسح السلالم، وظل يردد أين الوعى، ويضع وجها ساخرا معلقا "سلم لي على الوعى". 


في الغرفة المجاورة للشاب الذى يتهم الجميع بعدم الوعى ويدير حربه الخاصة خلف الشاشة الضوئية، كانت شقيقته الصغرى تستغل الوقت في عمل أنشطة لدعم المحتاجين وتوصيل الغذاء مع مجموعة من أصدقائها لعدد من الأسر في المنطقة، الفتاة الصغيرة كانت تردد دائما "ابدأ بنفسك"، وفي المرة التى تحدثت فيها مع شقيقها أكدت له أن اتهام الناس بالجهل والإهمال دون رحمة وعدم إدراك لاحتياجاتهم الأساسية وباء أخطر بكثير من وباء كورونا، وأن من أهم مشاكل المجتمع أولئك المتفرجون الذين ينصبون أنفسهم أوصياء عليه، هؤلاء المنظرون الذين إذا قتلوا النمر قالوا إنها رياضة صيد وإذا قتلهم النمر قالوا إنها وحشية!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط