الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ورطة كارت فيزا!


الذي جعلنى أكتب هذا المقال ليس مجرد الورطة الصغرى بعد حكم بمصادرة أموالى ومنعي من التصرف فيها ووضعها تحت الحراسة لمدة أسبوع على الأقل، دون أي وجه حق، إلا خطأ ليس لي ذنب فيه حدث في نظام أو طريقة عمل ماكينة صرف آلى تابعة لأحد البنوك أصدرت الحكم بدون سابقة إنذار ولا سماع دفاع ولا مراعاة لظروف وقوع فعل بممارسة حق كفله الدستور والقانون!.

الحكم فور مشمول النفاذ وليس له استشكال أو نقض قبل عودة الموظفين في أول يوم عمل بعد صدور الحكم الجائر!

فرغم أنه مجرد موقف عارض لكنه سخيف وكان من الممكن أن يمر مع بعض الضيق، خاصة أنه وقع ليلة أول أيام عيد الفطر بصدور الحكم من ماكينة صرف آلى تابعة لأحد البنوك لكارت الحساب الشخصي المحول إليه كل مستحقاتي المالية من جهة عملى وبه كل ما أملك تقريبا من أموال سائلة!.

لكن هذا الموقف العارض والذي يعانى له يوميا ما لا يحصى من عملاء البنوك من كل الطبقات تقريبا بعد تعميم هذا النظام وانتشاره ولما يبدو له من مميزات رائعة، أثار تداعيات جعلتنى أتحسس جيبي وعقلي معا وأراجع كثيرا من الأفكار.

فنحن بحق استدرجنا لأكبر عملية سطو منظم من جانب النظام المالى العالمي وليس مجرد ماكينة صرف أو سيستم عمل إليكتروني أصيب بالاضطراب، فأمام هذه المميزات التى أتاحها نظام كارت الصرف، وقع خطأ أدى إلى أن أتنبه لتلك الخدعة الكبرى التى فرضتها المؤسسات المالية الدولية على تعامل البنوك كنوع من التيسير منذ القرن العشرين وتوسعت حتى اقتربت أن تحل محل حافظة النقود للعميل أى كان مستواه الاقتصادى وحساباته المالية.

ها أنا أفكر بجدية في كيفية إيقاع الإنسان تحت سطوة أنظمة الصرف وما تضعه البنوك من اشتراطات وما يصدر لصالحها من تشريعات نظير تسهيل حمل النقود مع عوامل الأمان من الفقد أو السرقة أو التلف أو أى طارئ، فيبدو أن البنك قد حمل عنك كل هذا العناء نظير مصروفات "بسيطة" يتم خصمها من رصيدك لا تذكر بجانب ما يقدمه البنك لك كعميل يحظى بميزة الكارت المؤمنة تماما ضد كل ما سبق من أخطار.

فقد تحولت البنوك إلى خزانة عملاقة تحتفظ بكل أموال المواطنين لتتحكم فيها وتقوم عليها كقيام الوصي على أموال اليتيم والغافل والسفيه، لتقوم باستثمارها والحصول على نسبة كبيرة، إذ أن النظام البراجماتى العملى الصارم الملازم لهذه العمليات، يفرض ذلك مع قبول العميل راضيا مرضيا، بل مع اعتقاد راسخ لديه بأنه يحظى بحماية لا مثيل لها لأمواله وضمانات كفلتها له القوانين المحلية والعالمية.

لكنه من ناحية، يصير كالأجير بأمواله لدى البنك، سواء كانت أموال خالصة الملكية له أو قروضا مباشرة أو ائتمانية أو غير ذلك تعتبر مملكا له مادام ملتزما بسدادها حسب المواعيد والشروط التى يشكل عدم التزامه بها خطرا عليه!

أولا: اقتصاديا، بغل يده عن التصرف في الأموال مع تقييد حريته المالية، بوقف التعامل معه أو إفلاسه أو أي إجراءات من شأنها إزهاق حياته المالية!
وثانيا: جنائيا ليصبح عرضة لفقد حريته بالسجن عقابا له على إخلاله بنظام البنك.

وفي الحقيقة هو مقيد بالحد الأقصى للصرف بما تنتفى معه أى فرصة لإنقاذه من طارئ يحدث له، فالبنك هو السيد الأعلى المتحكم بموجب التشريعات القانونية والإدارية التى تحكم حركة المال على الكوكب والتى في ظاهرها تقديم التسهيلات للعملاء في الدرجات المتوسطة وفي باطنها لمصلحة البنوك والمؤسسات المالية التى تستولي على أموال العملاء - دون أي خطر عليها- بممارسة سلطتها في الحركة والتعامل بجانب الاستفادة القصوى حتى لو دفعت فوائد أو قدمت تسهيلات، فرأس المال الأساس الذي هو ملك خالص للعميل وله حرية التصرف فيه، تبدو تلك الحرية وهما كبيرا إذ تنتقل للبنوك والمؤسسات المالية التى تراعى مصلحة كبار المساهمين ووحدهم لهم الحق في وضع شروط وكيفية لحركة الأموال التى تصير تحت أيديهم ليمارسوا عليها من حقوق "الملكية" ما لا يمارسه مالكها نفسه الذي سلم لهم حريته في إدارة حركة أمواله، بموجب توقيعاته على عقود "دون الوقوع تحت أي إكراه أو تهديد أو إغراء مادى أو معنوي" لكن ألا يشكل وقوع ذلك العميل المسكين تحت تأثير الإغراءات الدعائية، نوعا من الإكراه المعنوى الذي يصل لحد التحايل والاستدراج عبر منظومة دعائية جبارة بفتح أبواب ترغيب وإغراءات جبارة تحيطه في كل مكان؟!

حتى أنها تسللت إلى جهة عمله فمارست معها الطرق نفسها لتسلم إليها حقوق العاملين بموجب التعاقدات التى تظهر البنوك في صورة مقدم الخدمات النبيل الذي جاء ليؤمن حسابات جهة العمل ويرفع عنها إصر مخاطر الحركة المالية وكذلك جيوب العميل ويرفع عنها يد اللص والنصاب والنشال!.

هكذا صار النظام المالى العالمي الجديد هو "سيد الضيعة" الأول الذي يحتفظ في خزانته بكل أموال وسندات ممتلكات سكان ضيعته ليحميهم من استغلال المرابين وغدر اللصوص وبلطجة الفتوات!.

إنه هو نفسه النظام المالى العالمى الحديث الذي أوقع القوة العاملة من بنى الإنسان تحت سطوته – لا أقول رحمته- تماما مثل شايلوك المرابي اليهودى الذي اشترط الحصول على رطل من لحم تاجر البندقية الشاب مقابل قرض بدون فوائد!

كل هذه الأفكار ازدحمت في رأسي مع ابتلاع ماكينة الصرف للكارت، فبأي  حق يستولى البنك على كارت عميل ويوقف تعامله بسبب خطأ في نظام البنك؟!.
 
فللبنك أن يرفض الصرف ولو لأى مبرر، ثم أنه لا يعتد بالخوف من احتمال تافه وغير واقعى بوقوع العميل بالصرف تحت إكراه من مجهول يجبره على الوقوف أمام ماكينة بنك ليعطيه ما يطلب على غرار ما يحدث في مدن المافيا وعصابات السطو المسلح مثل شيكاغو.

وشيكاغو هي المدينة نفسها التى خرجت منها مدرسة النظام المالى الذي يحكم العالم الآن ويتحكم في كل مليم في جيب كل مواطن على كوكب الأرض ولو لجأت لأساليب المافيا الدولية لتحقيق أعلى المكاسب في جيوب أبناء شايلوك المحدثين!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط