الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مظاهرات «مع العنصرية»!


لا تغتر بتلك المظاهرات  التي خرجت في أمريكا أو في أوروبا ضد العنصرية، مهما رفعت من شعارات مناهضة للتمييز ضد السود أو حطمت من تماثيل للمؤسسين أو القادة، فلم يرفع متظاهر ولم يعترض متظاهر واحد  أو متابع للحدث في الولايات المتحدة الأمريكية أو من تجاوبوا معهم في العرب الأوروبي، على وصف المواطن الأمريكي "الأسود" بأنه "مواطن من أصول إفريقية" خجلا أو اعتراضا أو استنكارا أو رفضا لوصفه بـ"الأسود" أو "الزنجي".

فخوفهم من مجرد اعتبار الوصف بالأسود أو الزنجي نوع من العنصرية، هو العنصرية نفسها، فما العيب  في أن يكون الإنسان أسود أو زنجيا؟!، أليس السواد مثل أي لون من الألوان؟!.. أليست الزنجية سلالة من السلالات الإنسانية الرئيسية؟!.

ولكنها الفكرة الشيطانية الخبيثة باعتبار أي اللون الأسود أو أي عرقية سوى الأبيض نوعا من النقص الذي يوجب الترفع عليه أو الخجل منه!.

فليت السود من زنوج أمريكا يخرجون في مسيرات تطالب بوصفهم بالزنوج والسود بلا خجل أو أدنى شعور بالعار وليرفعوا هاماتهم ويعتزوا بسوادهم وزنجيتهم وأصولهم ويعترضوا على وصفهم بأنهم من أصول إفريقية لا استنكافا من هذه الأصول للقارة السوداء الطيبة، بل لأنهم مواطنون لهم الحق والعيش أحرارا على أرض ليسوا فيها الآن؛ بعد أربعة قرون؛ ضيوفا أو غرباء.

فلماذا إذن لم يذكر أى من المتعاطفين أن الشرطي الأبيض قاتل الشاب الأمريكي الأسود "جورج فلويد" بأنه أمريكي من أصول أوروبية؟!

فالأوروبيون  كالزنوج تماما، ليسوا من أصول سكان القارتين الأمريكيتين، بل هم الذين أبادوا سكانها الأوائل وأنتجوا الأفلام وزينوا للعالم إبادتهم لأنهم شعوب متخلفة بلا حضارة وهو ما كذبه التاريخ والواقع!.

بل يمتاز عنهم الزنوج بطهارة أيديهم من دماء الملايين الذين أبيدوا ليتمكن الأوربيون من الاستيلاء على الأراضي الجديدة لهم وحدهم دون غيرهم

فذلك العار لحق بجدود الأمريكيين البيض الحاليين وحدهم دون غيرهم من أجفاء المهاجرين غبر الأوروبيين من سكان الأمريكتين!

وقد قدر بعض المؤرخين الأعداد التى أبيدت في العالم الجديد من السكان قبل اكتشاف الأوربيين للأمريكتين، بحوالي 130 مليون نسمة، لم يبق منهم الآن سوى بضع مئات آلاف يعيشون كالغرباء على أرض آبائهم وأجدادهم التى انتزعت منهم وأعطوا فيها الاسم الخاطئ المزيف "الهنود الحمر".

وحتى الآن الضمير الأمريكي أو الأوروبي أو الإنسانى لا يلوم نفسه على إبادة أسلافهم شعوبا بأكملها وطمسهم معالم حضارات بكاملها في الأمريكتين وأستراليا، ليصبح الغازي الأوروبى هو السيد الأوحد بلا منازع ولم يبق منهم إلا من اعتصم بالغابات والجبال أو انزوى بعيد لا شأن له بهذا الغازي الجيد.

وكولومبوس أو جيمس كوك أو غيرهما من المستكشفين الأوربيين، كانوا يرون أن مجرد إلقاء هلب سفينتهم على شاطئ الأرض الجديدة هو بمثابة صك ملكية مطلقة للأرض وما على ظهرها من زروع وحيوانات وسكان بل وما في باطنها من معادن، كل ذلك يؤول كإرث شرعي - بلا مورث - للمكتشف الغريب القادم من وراء أعالى البحار، فمع أول علامات تركتها أقدام البحارة الأوائل على رمال الشواطئ وهم يمرحون ويتبادلون التهانى بالنجاة والوصول لنهاية رحلة المجهول، صاروا هم السكان الجدد أو قل الملاك الجدد، بينما تراجع الملاك الحقيقيين أمام أسلحة الحضارة الأوروبية في مقابر جماعية حفرت لهم حتى لا تؤذى روائح جثثهم أنوف السادة البيض حاملي مشعل الحضارة وأما من بقى منهم، فاكتفوا باسم "السكان الأصليين" ليسيروا في الغابات والأحراش بأزيائهم ومتعلقاتهم وأكواخهم يزينون المتحف المفتوح أمام عيون المتعجبين من زائري المتحف.

ولم تقتصر المذابح المليونية على أطلق عليه العالم الجديد، بل حصدت أسلحة التقدم الغربي للرجل الأبيض، الملايين في القارة السوداء الطيبة التى لم يكتف الغزاة البيض بغزوها وقتل وتهجير الملايين من سكانها في الجنوب والوسط والشمال، بل نقلت سفن النخاسة الملايين من الأفارقة تباعا ليعملوا تحت سياط القهر في المزارع والمصانع والبيوت ولما استكفى السادة البيض من خدمتهم بعد ما يزيد عن قرنين من الزمان، تخلصوا من عبء معيشتهم هم وزوجاتهم وأولادهم المقيمين معهم في مزرعة السيد الأمريكي الأبيض، بما أطلقوا عليه "تحرير العبيد" لينتقلوا إلى مساكن في أحياء عشوائية أكثر قذارة تئن تحت سطوة الفقر والتمييز العنصري حتى الآن!.

والآن يعود الرجل الأبيض يمارس عنصريته بكل صلف وإن كانت تحت دعوى "حق السود في الحياة" فسواء كان الأبيض حاكما أو معارضا أو سيناتور أو شرطيا أو إعلاميا أو مثقفا أو ناشطا، مادام يطلق على "جورج فلويد" أنه "أمريكي من أصول إفريقية" وما دام لا يطلق على نفسه "أمريكي من أصول أوروبية" فهو يثبت أنه امتداد طبيعى لجدوده الغزاة وأنه لا يزال يتعامل مع الزنوج على أنه يمن عليهم بالتعاطف لأنه وهو الأبيض الذي هبط من عليائه ليساند هؤلاء المساكين، فكأنه بذلك يعيد خديعة الهبوط الأول من سفينة المستكشف الذى جاء ليعلمهم الحضارة ولو أدى ذلك إلى أن يحولهم إلى أكوام من عظام الموتى يزين بها أسوار متحفه العملاق للحرية والعدل وحق الحياة!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط