الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البحث عن راتان المصري!


كثيرة هي الشخصيات البارزة التي قد نقابلها في حياتنا العامة، أو نقرأ عنها، أو يُحكى لنا عن مآثرها، التي تبث فينا روح العزيمة والأمل في تحقيق مستقبل أكثر إشراقا وإثمارا. ومن تلك الشخصيات من يتبوأ مكانة مجتمعية رفيعة صنعها في خلسة من الأيام، ليشار إليه بالبنان، وعندما تبحث في أوتوجرافه تجده سباكًا أو طبالًا أو سمسارًا، وبقدرة قادر أصبح في تلك المكانة؛ ومنها من جمع مالًا وعدده وأصبح جل همه أن يكنزه؛ ومنهم من اختال بنفسه حتى خصص لبيسًا له يلازمه كظله، ينحنى أرضًا ليلبسه الحذاء، إذا شاءت الظروف أن يخلع نعليه. 


وعلى الطرف الآخر هناك العصامي القُح الذي نقول عنه بالعامية "سف التراب" كي يصنع شيئًا، أو يغرس غرسًا في أرض المحروسة، يستظل بظله آلاف الفقراء والمحتاجين والعمال والفلاحين. أتذكر هنا أحد رجال التشييد والبناء في مصر وهو المهندس عثمان أحمد عثمان، الذي رفع اسم مصر عاليًا في القارة الإفريقية وفي البلدان الخليجية، وقت أن كانت مصر سيدة الأكوان؛ ورغم أن البعض يتحفظ عليه لعلاقة النسب بينه وبين المرحوم الرئيس السادات، إلا أن الفضل يجب أن يعزى لأصحابه، لأن شركته كانت أول شركة مصرية خرجت خارج حدود الوطن في عالم الإعمار والبناء.


ولا يمكن أن نغفل عصامي آخر نال قدرًا من محبة المصريين لجُل أعماله، فهو أول من أدخل التكنولوجيا اليابانية إلى مصر، في وقت كان كل مصري عائدٌ من الخارج يحمل في يده مروحة وجهاز تسجيل ياباني، من الماركات التي تربعت على عروش المصريين عقودًا، بل واستطاع هذا المصري البسيط أن يغطي احتياجات السوق المصرية من الأدوات المنزلية الحديثة، بعد أن كان وابور الجاز "بريموس" صديقًا للعائلة المصرية، والذي لم يتمكن بوتجاز المصانع من أن يزحزحه عن مكانته، حتى خرج إلينا الحاج أحمد العربي بالأجهزة المنزلية اليابانية، التي لا زلنا نردد ماركاتها حتى الآن، حين نشرع في الشراء.


والنموذج الثالث الذي أود أن أذكره هو الدكتور حسن رجب، الذي لا يُذكر كثيرًا، فهو من أوائل المجددين في نمط السياحة المصرية التقليدية، فأنشأ قرية على الطراز الفرعوني، تعرف باسم "القرية الفرعوينة"، على أرضٍ تقدر بالذهب الآن، لتصبح نموذجًا للحضارة المصرية القديمة ليرتادها الزوار ليعرفوا عظمة مصر الحقيقية؛ ولا أظن أن هناك من حاكى هذا المشروع الحضاري، بأهدافه السامية، والذي أنفق عليه حسن رجب حصيلة العمر. ويكفيه أنه أهدى مجموعاته البردية -التي لا تقدر بثمن- إلى مركز الدراسات البردية بجامعة عين شمس، قبيل وفاته.


راودتني هذه النماذج المصرية المشرفة وأنا أشاهد فيلمًا عن العصامي الهندي راتان تاتا، صاحب أكبر مصانع السيارات في الهند والمعروفة باسم "تاتا". فقد بدأ راتان تاتا، الذي وهبه الله ذكاءً فطريًا، مشوار حياته من تحت الصفر، ليبدأ رحلة الحياة وقد عزم على أن يغرس غرسًا مثمرًا لبلده يجعل منها دولة متميزة في صناعة السيارات، في الوقت الذي أنفق فيه مرتزقة الانفتاح الاقتصادي عندنا جهودهم في استلاب أموال المصريين المشتاقين إلى متاع الحياة بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فكان الاستثمار المصري آنذاك هشًا غير مجدٍ؛ ولم يظهر وقتها راتانًا مصريًا ليكمل الحلم المصري بإنتاج سيارة مصرية بعد أن فشلت التجربة الأولى "رمسيس".


 أعود لراتان تاتا الذي لملم أوراقه بعد فشل تجربته الأولى في صناعة سيارة هندية تجارية تحقق حلم المواطن الهندي البسيط، فاتجه نحو الأمريكان سائلًا العون، فسخروا منه، ومع هذا عاد أكثر صلابة وإصرارًا على استكمال المشروع.

 وقد تم المراد، ونجح تاتا أخيرًا في إنتاج سيارة هندية عصرية تناسب المواطن الهندي، وبكافة الطرازات التي تناسب ماليته وتحقق طموحاته؛ وتدور الدائرة ويخطب الأمريكان ذاتهم وده بعد أن لفظوه من قبل، وبعد أن نجح في الحصول على توكيلات بصناعة أشهر موديلات السيارات الأمريكية في مصانعه بالهند، لتخرج السيارة الأمريكية من مصانعه، وقد كتب عليها "صنعت في الهند".


تجربة تفخر بها الهند، أما نحن فلازلنا نبحث عن راتان المصري! 

 


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط