الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحرية لا تمنح للجبناء


يقال والعهدة على الراوى إن المناضل جيفارا والذى وهب حياته للدفاع عن أصحاب الحقوق المسلوبة، عندما قبض عليه فى مخبأه بعد أن أبلغ عنه راعى أغنام؛ فطلب جيفارا ممن يحاكموه أن يسأل الراعى سؤالا وحيدا، فجىء براعى الأغنام وسأله جيفارا: لماذا أبلغت عنى وسلمتنى لهم مع أننى كنت أضحى بعمرى من أجلك ومن أجل أبنائك وأحفادك؟  فجاء جواب الراعى صادما لجيفارا فقد قال له: حروبك مع من تسميهم أعداء كانت تخيف أغنامى وتعطل مسيرة حياتى وتمنع عنى رزقى، فبكى جيفارا وقال كلمته الخالدة أبلغت عنى وأنا قضيت حياتى كلها فى الدفاع عنك وعن حقك بأن تعيش عيشة كريمة.

ويذكر التاريخ أيضا محمد كريم المناضل السكندرى الذى قاوم الحملة الفرنسية بشجاعة وقوة وكلفها الكثير من حياة جنودها وعتادهم؛ لدرجة أن القائد الفرنسى نابليون بونابرت أمر بمكافأة كبيرة لمن يقبض على محمد كريم وقد كان، وحينما رآه بونابرت واجهه قائلا: يؤسفنى أن أعدم رجلا دافع عن بلاده بهذه الشجاعة والجرأة،  ولا أريد أن يذكرنى المؤرخون والتاريخ بأننى أعدم أبطالا يدافعون عن أوطانهم؛ ولذا فقد عفوت عنك مقابل 10 آلاف قطعة من الذهب تعويضا عمن قتلت من جنودى، فرد كريم بأنه لا يملك الكافى من المال ولكن لديه عند التجار ديون تتجاوز مئة ألف قطعة من الذهب، فأجابه بونابرت بأن أعطاه فسحة من الوقت ليحصل أمواله ويفدى نفسه، فذهب كريم مقيدا بالأغلال ومحاطا بالجنود الفرنسيين وهو على يقين بأن من ضحى من أجلهم من أبناء وطنه سيدفعون ما عليهم من دين لإخراجه من حبل المشنقة وربما دفعوا أكثر مما عليهم، ولكن كريم صدم بردة فعل أبناء وطنه فقد تهربوا منه ولم يستجب تاجر واحد بل أنهم اتهموه بأنه كان سببا لدمار الإسكندرية وتدهور أحوالهم الاقتصادية.

حمل محمد كريم خيبته وحزنه وعاد إلى نابليون مخذولا مقهورا مندهشا فقال له الأخير: ليس أمامى إلا إعدامك ليس ردا على مقاومتك لنا ولقتلك جنودى ولكن لأنك دفعت حياتك مقابل أناس جبناء شغلتهم تجارتهم عن حرية أوطانهم وعزتها ونصرتها ..فصمت كريم وهو يردد بينه وبين نفسه مقولة كان يقولها أبيه دوما وهى: الثائر لأجل مجتمع جاهل كشخص يشعل النار فى جسده لإضاءة الطريق لأعمى.

وبغض النظر عن مدى صدق القصة من عدمه وعن كون بونابرت فيلسوف وليس مجرد غازى ومحتل وأن جيفارا قتل حزنا من خيانة الراعى قبل أن يقتل من أعدائه، بغض النظر عن كل ذلك إلا أن المغزى الحقيقى يقول لا تدافع عن الجبناء ولا تدفع غاليا لمن ارتضى أن يعيش رخيصا مهانا مسلوب الإرادة، دود الأرض سعيد بتمرمغه فيها وإن نظفته مما هو فيه وجلبته إلى مكان ارقى فلن يسعد بذلك بل ستلاحقك لعناته إلى يوم يبعثون.

من اعتاد العيش فى الجحور لا يتمنى لك أن تكون أفضل منه حتى لو كنت تسعى لأجل إخراجه من ظلمات عقله وسراديب قلبه، ظلام عقول أعداء الحرية يحول بين دخول نسائم الصباح الرطبة إلى غياهبهم؛ فهم يفضلون القيد على الحرية ويتعايشون مع القهر على حساب السعادة فى إبداء الآراء والنقاش والجدال ورسم خطوط مستقبل بهية.

إن تضحى بعمرك من أجل عبيد الرضا وأصحاب الآراء القدرية وأن ليس بالإمكان أفضل مما كان أن تفعل ذلك فأنت تجعل جسدك جسرا يهان بأن يمتطيه من ليس لهم أدنى درجات التحرر من العبودية القهرية.

إن تعيش حرا فلا بد أن تعلم جيدا أن الحرية هبة من الله لكل نفس أبية، أن تناضل من أجل تحرير عبيد السلطان وتجار المواقف واستغلال الأديان وإطلاق مسميات براقة أن تفعل ذلك فقد حكمت على نفسك بأن تموت بأيد كارهة للحرية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط