قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

طه يوسف يكتب : وهم الدولة الإسلامية والخلافة


قد يتساءل البعض وأنا منهم .. ماسر هذا العداء الكامن فى نفوس دعاة الدولة الاسلامية والخلافة ناحية قيام دولة علمانية على أسس ديمقراطية سليمة تحمل الحقوق الانسانية الحقة بعيداً عن مظاهر التعصب الدينى وتفسير النصوص الدينية بما يخدم المصالح الخاصة ، تضم وتشمل كافة أطياف المجتمع لا ميزة لأحد على آخر فى ظل دولة يحميها القانون وتحركها مؤسسات قائمة على الفكر والعلم والتطور..
الأمر فى جُله خطير ويبعث على الاشمئزاز أيضاً من هذه الهجمة التى يشنها هؤلاء وخوفهم من قيام دولة علمانية تضع العقل والعلم فى المقدمة لأن ذلك سيفقدهم السيطرة وحب التملك فى نفوس الناس التى بدت للأسف تقدس رجال الدين أكثر من الدين نفسه ..ويتغنى هؤلاء بعصور الخلافة المتعاقبة ويغضون الطرف عن أمور جسام حدثت فى عصور الخلافة أذاقت المسلمين صنوفاً من العذاب وضروباً من الانقسامات وبحوراً من الدماء وعندما نسألهم عن سبب مقنع لهذا يقولون إنها فتنة..
ويبدو أن لفظ فتنة يسوقونه إلينا لسد العجز لديهم ..ويدعو هؤلاء لدولة اسلامية أساسها البيعة والشورى بعيداً عن الديمقراطية التى يسمونها كفر ولو أنهم قرأوا التاريخ جيداً واستوعبوا ما فيه لما قالوا هذا الكلام ويبدو أن عدم احساسهم بالمسئولية تجاه الوطن هو ما جعلهم يتلفظوا بذلك لكننا نملك الرد عليهم من خلال عصور كانت أقرب إلى زمن النبى الكريم فحدث فيها ما يندى له الجبين ووصل إلى حد اراقة الدماء فى سبيل الحفاظ على الحكم .
إنه من تمام العدل أن نأخذ من التاريخ صفحاته السوداء القاتمة كما نأخذ صفحاته البيضاء الناصعة فتاريخ الخلافة الاسلامية مدجج بالتسلط وحب السيطرة والتمكن ومعاداة كل من يعارض الخليفة ولم تعرف الديمقراطية بل عرفت الغلبة ولو بالسيف والخروج على ذلك عصيان يتوجب القتل.. وسقيفة بنى ساعدة خير شاهد على عدم احترام الآخر وحرص كل من المهاجرين والانصار على أخذ السلطة بالقوة فعلت الاصوات وضجت الساحة فقد روى الطبري : أقبل الناس (في السقيفة) يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة ـ اذ كان مسجَّى لمرضه ـ فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعداً لا تطئوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه فقال : لقد هَمَمتُ أن أطأك حتى تندُر.
عضدك... فأخذ سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ... وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة أقوى بها على النهوض لأسمعت من في أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك.
وقال الحباب بن المنذر : يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير .
فقال عمر : هيهات ! لا يجتمع اثنان في قرن واحد والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وولي أمورهم منها ، ولنا على من آمن الحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة ؟
فقام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر
فقال عمر : إذا يقتلك الله .
وقال الحباب: بل إياك يقتل.
أى عاقل يمكن أن يسمى هذا الحوار أنه منسجم وعقلانى يحترم الرأى والرأى الآخر.. وهل يمكن تسميه هذا العراك بالشورى؟؟
وأى دولة اسلامية هذه التى نرى فيها التشدد القبلى بقول عمر ( من ذا الذى ينازعنا سلطان محمد وامارته) ؟
هل هذه هى الشورى التى يريدها أنصار التيار الاسلامى اليوم ؟ وهل هذه هى الديمقراطية الاسلامية فى نظرهم؟
ويقول الطبرى : أتى عمر بيت على وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين وقال والله لأحرقن عليكم - أى منزلكم- أو تخرجوا إلى البيعة .
فوسط كل هذه الفوضى والتهديدات والتلميحات بالقتل تم تنصيب أبو بكر الصديق خليفة للمسلمين وقد أوضح ذلك لنا أن الخلافة لا علاقة لها بالاسلام وإلا قلنا أن معاوية قد أخذ الخلافة من على بالسيف والدم دفاعاً عن الخلافة ..وأن يزيداً حق له قتل الحسين تقرباً إلى الله بها.
فعلى الرغم من بشاعة المشهد فى السقيفة إلا أنه جعلنا نضع أيدينا على دليل قاطع وبرهان ساطع وهو أن النبى الكريم قد مات وهو لم يؤسس دولة واضحة المعالم والأركان بالمفهوم الحديث للدولة وهذا يدحض افتراءات الجماعات الاسلامية فى وقتنا هذا التى تزعجنا بأن النبى الكريم قد أسس دولة..وأن الخلافة نظام اسلامى لابد منه.
أيضاً لم يضع لنا النبى خيوطاً واضحة وقواعد ثابتة لنظام الحكم والدولة بل تركه النبى للاجتهاد الدنيوى وعلى الرغم أيضاً من حدة النقاش فى السقيفة فلم نرَ أياً من الطرفين قد استخدم أية نصوص دينية لصالحه كما تفعل الآن الجماعات والأحزاب الاسلامية من هنا تنطلق الحقيقة التى لا يريد دعاة الدولة الاسلامية الاعتراف بها وهى أن الاسلام دين لهداية الناس وليس كتاب حكم وسياسة فالاسلام ليس مطلوباً منه أن يكون دولة ولا ينبغى له أن يكون مرجعاً للأحوال السياسية وتنظيم شئون الحكم.