الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من يحاسب من يا خلوصى آكار؟


الفجور في الخصومة في عالم السياسة لا يعرف حدودًا أخلاقية أو وطنية، وهذا ما ينطبق على تركيا وظهر بوضوح في حديث وزير الدفاع التركي (خلوصى آكار) لقناة الجزيرة الإرهابية في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، حيث كان من الملفت أن كل كلمة تفوه بها (آكار) كانت تمثل خروجا عن الأعراف والتقاليد المتوافق عليها في التحدث عن الدول الأخرى، إضافة إلى استخدامه لغة يطغى عليها الاستكبار والاستعلاء والصلف والتهديد بالثبور وعظائم الأمور لكل من يخالف تعليماته وكأنه يصدر فرمانًا من الباب العالي بإسطنبول غير قابل للنقاش وعلى الجميع السمع والطاعة.


استدعى الوزير لغة عفا عليها الزمن ومر عليها أكثر من 500 عام، وهي نفس اللغة الاستبدادية للسلاطين الأتراك، فأعطى إنذارًا للإمارات العربية الشقيقة واتهمها بدعم بعض المنظمات الإرهابية في سوريا وغيرها كحزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب أو حزب الاتحاد الديمقراطي أو تنظيم الدولة الإسلامية!!


وأضاف: وهو أمر لن يؤثر علينا ولا قيمة له وأيضًا حكومة أبو ظبي قامت بأعمال ضارة في ليبيا وسوريا وسنحاسبها على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين!!


طيب يا مولانا السلطان ثم ماذا؟ (وعلى أبو ظبي والسعودية ومصر وروسيا وفرنسا وغيرها من الدول وقف دعم الانقلابي حفتر وإلا فإن تحقيق الاستقرار والهدنة في ليبيا لن يكون ممكنًا)!


وماذا عن الغزو التركي لـ ليبيا قال: (هذه مقولة لا أساس لها من الصحة تقال عن تركيا في أكثر من زمان ومكان).. (ونحن مع وحدة التراب الليبي في كل زمان ومكان).


لا أعرف لماذا هو مُصر على ذكر كلمة الزمان والمكان طيلة الحوار ربما تكون إحدى لزماته، عمومًا هذه التصريحات هي دخول خاطئ جديد لتركيا في الشأن العربي وتعاطي متغطرس مع دولة إقليمية كبرى مثل الإمارات فإذا كانت لا تمثل أي تأثير على تركيا كان بإمكانه ألا يرد على أي سؤال متعلق بالإمارات وألا يفرد لها هذه المساحة من الحوار، ونحن نعلم جيدًا أن الأسئلة تم مراجعتها مع آكار قبل التسجيل والإتفاق على كل صغيرة وكبيرة، ثم يقول إن حكومة أبو ظبي هي بيدق في أيدي دول أخرى وفي واقع الأمر أن تركيا هي الأداة والذراع للقوى الكبرى لتفتيت المنطقة ومخلب قط لأطراف عديدة.. وتريد أن تحاسب الإمارات؟


من يحاسب من يا خلوصى آكار يا وزير الحرب يا داعم الإرهابيين يا ناقل الدواعش تركيا هي التي ستحاسب على كل جرائمها في العراق وسوريا وليبيا، ألا يكفي فضيحة زيارتك لقائد إرهابي كبير مصنف على قائمة الإرهاب للاتحاد الأوروبي وهو أكبر دليل على أنك لست وزير دفاع بالمعنى المتعارف عليه إنما هو غطاء لدورك الحقيقي فلم اسمع في حياتي عن وزير دفاع يشرف بنفسه على تدريب المرتزقة والإرهابيين وتسليحهم ونقلهم للحرب في بلدان أخرى!!


وكيف لك أن تتحدث عن أربع أو خمس دول تتدخل من وجهة نظرك في ليبيا وأنت غارق حتى أذنيك هناك وأنت لا ناقة لك ولا جمل بينما هذه الدول منها دولًا معينة أصلًا بالشأن الليبي خوفًا من أن يتدهور الوضع ويؤثر على أمنها القومي أنت من تأتي بالمقاتلين الأجانب والمرتزفة من شتى بقاع الأرض وتبنى القواعد العسكرية بأموال قطرية مشبوهة وتدعم طرف لم يعد يوصف بأنه شرعي أو معترف به في ظل هذا الانقسام الحاد انتهت القصة لم يعد هناك مكان للتحدث عن شرعية الوفاق أو الإعتراف بها دوليًا، ويجب أن تعلم أن استغلالك وجود فراغ سياسي في بعض الأقطار العربية أغراك للتدخل بها بهذه الطريقة العدائية سيكون بمثابة رمالًا متحركة تبتلعك قريبًا أنت وداعميك.


وقد أدهشني أن (آكار) لم يترك شيئا لـ(جاويش أوغلو)، وزير الخارجية التركي، ليتحدث فيه فقد تحدث في الشئون الخارجية ولكن إذا فتشنا في تاريخ هذا الرجل سنجد أن هذا الشيء غير مستغرب لأن آكار من أقرب المقربين لأردوغان وذراعه اليمنى، ومن ثم مباح له أن يتحدث في كل شيء لأن دوره ليس عسكريًا فقط وإنما سياسيًا أيضًا ويعتمد عليه أردوغان كمحاور ومفاوض للولايات المتحدة، خصوصًا فيما يتعلق بالملف السوري وفكرة المنطقة الآمنة وأرسله لأحزاب المعارضة ليقنعهم بالإصطفاف معه في وجه العقوبات الأمريكية إبان صفقة S400 الروسية كما يرسله في الزيارات الخارجية لإيصال الرسائل للحلفاء ويظهر بجانبه في لحظات ودية وحميمية في كل المناسبات ويحضر معه مؤتمرات حزب العدالة والتنمية ويجلس دائمًا في الصف الأول رغم أنه غير عضو بالحزب.


و(آكار) أيضًا يجيد ترديد الشعارات القومية ومقرب من حلف الناتو وتلقبه الدوائر الإعلامية الموالية لأردوغان بالجنرال الذي لم يخن الديمقراطية، وقد سوق نفسه جيدًا وقفز إلى جوار أردوغان بإعتباره أحد الجنود المجهولين الذي أحبطوا العملية الانقلابية في العام 2016 واختلق قصة اختطافه على يد أنصار جولن وتكبيل يده وتغطية رأسه ووضعه في غرفة مظلمة، وبرغم كل ذلك رفض الانضمام للانقلابيين، حيث كان يشغل منصب رئيس الأركان آنذاك مما أفشل الانقلاب، وهي بالطبع رواية ملفقة كذبتها العديد من الدلائل والشهود منها الموقع الشهير (نورديك مونيتور) الذي نشر صورًا اتخذت لآكار، وهو يسير بكل أريحية وسط حراسته الخاصة ويصعد الهليكوبتر ويعطي أوامر للجنود ناهيك عن مسرحية الانقلاب المزعوم أصلًا، والتي لم تنطل على أحد، وكان الهدف منها إقصاء العديد من العسكريين الأتراك وإحلال أهل الثقة بدلًا منهم، وهي المهمة التي قام بها (آكار) بنفسه وأسفرت باعترافه هو عن فصل 17866 من الجيش التركي منهم 150 لواءً ثم عينه أردوغان وزيرًا للدفاع في أول حكومة في ظل النظام الرئاسي في يوليو 2018 وقد أشرف كرئيس أركان على عمليات درع الفرات في 2016 وغصن الزيتون 2018 وهو وزير دفاع أشرف على عملية نبع السلام والمخلب التركي 1، 2، 3 في العراق، إضافة إلى دعم حكومة الوفاق في ليبيا ونقل الإرهابيين والمرتزقة الأجانب ولأن حقد أردوغان على مصر لا حدود له، فكان لا بد أن يفرد لها آكار مساحة في حواره فقال: (أحيانًا نسمع تصريحات من مصر وبعض هذه التصريحات تكون مستفزة أنصح مصر أن تبتعد عن التصريحات التي لا تخدم السلام في ليبيا وتؤدي إلى تأجيج المزيد من الحرب والنار فيها...) تنصح مصر أنت تنصح مصر!!


مصر القادرة بإذن الله على ردعك والتصدي لأطماعك أنت ورئيسك وتغيير موازين القوى العسكرية في ليبيا حال تدخلها كما قال الرئيس السيسي رجل الدولة الذي يحترم القانون الدولي في كل خطواته، بينما تتبع تركيا أسلوب الفتوة الشهير في الحارات المصرية القديمة، وأعتقد أن أكثر ما استفزك ليس التصريحات الصادرة من مصر وإنما قدرة مصر والرئيس السيسي على إجبار تركيا على وقف محركات العمليات العسكرية وتثبيت الواقع الميداني العسكري في ليبيا وعدم تخطي الخط الأحمر واستخلاص سرت والجفرة من أيدي الجيش الوطني الليبي وهو أمر له دلالات كثيرة سياسية ودبلوماسية.


ثم يسأله مذيع الجزيرة بإستحياء قائلًا: خصومك (مصر والإمارات والسعودية) يقولون إن تركيا تريد إعادة نفوذها في العالم العربي فيرد آكار قائلًا: (إن من له قليل من العقل وقليل من الضمير والوجدان الإنساني يرى بشكل صريح أن ما تقوم به تركيا من نشاطات لها أسباب نابعة من ضرورات الأمن القومي ولا علاقة لها بالسيطرة على أراضي الآخرين!!!


يقول هذا بالرغم من أنه عندما تفقد القوات التركية في ليبيا الشهر الماضي قال تصريحه الشهير: (سنبقى هنا للأبد وسننشئ القواعد العسكرية ومراكز التدريب للميليشيات حتى يكون لطرابلس جيش محترف له عقيدة عسكرية) يقصد بالطبع جيش ميليشياوي ولا أعرف كيف يتحول عنصر إرهابي إلى جندي مقاتل مخلص لبلاده وهم أصلًا لا يؤمنون بمفهوم الدولة والوطن كلمة غير موجودة في عقيدتهم، كما أعطى أوامر للسراج ليعين (خالد الشريف) المكنى بأبو حازم الليبي الناشط في تنظيم القاعدة في منصب رئيس لجهاز المخابرات بطرابلس بعد مقتل رئيس المخابرات السابق في حادث إطلاق نار غامض وحجة الأمن القومي التركي ومكافحة الإرهاب وشبح الـ بي بي كي الذي يؤرق تركيا على مدار 40 عاما، وكل هذه الشعارات التي ترددها تركيا لتكون مظلة تغطي أطماعها في الأراضي العربية وبهذه الحجة كشفت في صلف وجرأة عن مواقعها العسكرية شمال العراق في إقليم كردستان بعمق 40 كيلومترا، إضافة إلى قصف السليمانية وجبال قنديل وقصف الأسبوع الماضي قرى كردية صغيرة وإستهدف مدنيين وبيوت لا يتواجد بها أي جماعات مسلحة أصلًا، إضافة للإستباحة اليومية لمناطق الأكراد واختراق السيادة العراقية كل شهر حتى أوقف العراق العمل باتفاقية الإطار التي كانت سارية مع تركيا منذ العام 1981 كما أوقف التأشيرات المسبقة الممنوحة للطلاب الأتراك بعد أن فشلت كل محاولات إستدعاء السفير التركي وتسليمه مذكرات احتجاج.


ثم يتحدث (آكار) عن وحدة التراب السوري وكل كلامه كذب في كذب، ففي إدلب السورية قامت تركيا بتغيير واقعها الديمجرافي وإلغاء النشيد القومي السوري والعملة السورية ليتم التعامل بالليرة التركية وترديد النشيد الوطني التركي وقيام الفصائل الموالية لتركيا بجرائم اغتصاب وقتل تحت التعذيب وهدم المنازل والتنقيب عن آثار عفرين السورية وبيعها في تركيا بالتنسيق مع ضباط في الجيش التركي وغيرها من الممارسات التي تتم بعلم أردوغان وإشراف خلوصى آكار الذي أعلن أنه سيحتل عفرين ليعيد إليها سكانها الأصليين.


أخيرًا يختم (آكار) حواره بمقولة (الأتراك والعرب كأصابع اليد الواحدة لا ينفصلون مثل الإصبع والظافر)، لا لسنا يدا واحدة يا آكار ولن نكون والإصبع ينفصل من الظافر بالدماء التي سالت والحقوق التي انتهكت، أبدًا عقارب الساعة لن تعود للوراء ولن تستطيع أنت وأردوغان المصمم على تقديم نفسه خليفة للمسليمن من استعادة الإرث العثماني البغيض وإعادة العالم العربي والإسلامي لسطوة الخلافة العثمانية التي ظلت قرابة الـ 400 عام جاثمة على صدور العرب ناهبة لثرواتهم مبددة لمقدراتهم منتهكة لحقوقهم، محتلة لأراضيهم مصادرة لأحلامهم مانعة لأي تعليم أو ثقافة أو تقدم، هذا هو التاريخ الأسود الذي تريد استعادته ولكن هيهات.


عمومًا تصريحات آكار كانت متوقعة، فهو يشعر بإحباط شديد لإنكسار شوكة تركيا، خاصة بعد توتر العلاقة مع حلف الناتو ورفضه مساندة تركيا في المستنقع الليبي ودراسة الكونجرس الأمريكي فرض عقوبات على تركيا بسبب إرسالها السلاح والمرتزقة إلى ليبيا، إضافة إلى العقوبات الأوروبية المتوقعة والتهديد الألماني الذي تلقاه أردوغان من سيدة أوروبا القوية (أنجيلا ميركل) التي قالت له نصًا سنقاتلك إذا قاتلت اليونان وأن أي مواجهة مع اليونان وقبرص هي مواجهة تركية أوروبية، وبذلك يكون قد قطع أي أمل له في الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي ينبذه ويعامله كولد شقي يسبب صداع مزمن في رأس أوروبا، لذلك تخلص من علمانية أتاتورك وتحالف مع قطر ومع المنظمات الإرهابية في مواجهة المعارضة الداخلية والخارجية لسياساته وبشهادة نائب رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا في حواره مع قناة الحرة، فإن تركيا تدعم كل الحركات الإسلامية وليس الإخوان المسلمين فقط.


أنا على يقين أن لغة العقل سوف تنتصر في الصراع العربي مع الأطماع التركية، خاصة في ليبيا رغم تهافت أردوغان على المثلث النفطي الهام، ولو كانت تركيا ملتزمة بالقانون الدولي وسياسة الصفر مشاكل قبل وجود أردوغان وآكار وكل هذه الطبقة السياسية الفاسدة لكانت دولة محورية يمكن أن يكون لها دور إيجابي لكن بكل تأكيد ما يحدث الآن هو عكس ذلك تمامًا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط