الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلنا بنحب مَريَمْ!


دق جرس الهاتف ذات يوم، وجاء صوت شقيقتي على الطرف الآخر منه:

هي: قوللى مبروك.

قلت: خيرًا! 

قالت: بقيت جدة.

قلت: مبروك، ربنا بعت إيه؟

قالت: ماريا! 

ضحكت وسألتها: هل تعرفين معنى الاسم؟ 

قالت: أيوه ده اسم ماريا القبطية زوجة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).



ابتسمت وقلت لها: ماريا في اليونانية والقبطية هو نفسه مريم المستخدم في العربية، وماَرِي بالإنجليزية والفرنسية مع اختلاف النبرة الصوتية، وأحيانًا نشتق منه اسم ماريام وماريان وغيرهما؛ وجميع هذه الأشكال إنما تشير في ثقافتنا إلى السيدة مريم العذراء، أم المسيح عيسى عليهما السلام.



وأخذت أتأمل الحوار السابق! ملايين من المسلمين يسمون بناتهم مريم، وهم مدركون تمامًا لسيرة العذراء وطهرها وعفتها ومعجزة حملها وولادتها للسيد المسيح، وحديثه في المهد ليُخرس المشككين في طهرها وعفتها-كما ورد في القرآن الكريم-وتساءلت في نفسي: ما سر حبنا التسمي باسم مريم بكل أشكاله؟



أخذت في القراءة حول الموضوع لأعرف سببًا مباشرًا أجيب به عن تساؤلي، لاسيما وأن فكرة قراءتنا كمسلمين للكتاب المقدس غير رائجة، وإلا وقفنا على دقائق السيرة الذاتية للسيدة مريم البتول. وسألت كثيرًا ممن أعرفهن وحملن اسم مريم عن سبب تسميتهن بهذا الاسم. فكانت الإجابات متباينة، جزء منها بني على قاعدة دينية وجزء آخر كان تيمنًا بهذه أو تلك ممن حملن الاسم.



والواقع أن الله فضّل مريم على نساء العالمين في قوله: "وإذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ. ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ"؛ وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: "كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النِّساء كفَضل الثريد على سائر الطعام". كمال قال: "خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد"؛ "وأفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"؛ "وسيّدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخَديجة". 



وقد خصّ الله مريم بما لم يؤته أحدًا من نساء الكون، ذلك أن روح القُدُس كلّمها وظهر لها ونفخ فيها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النساء؛ وصدَّقت بكلمات ربِّها ولم تسأل آيةً عندما بُشِّرت بالمسيح عيسى، ولذلك سمّاها الله في تنزيله صِدِّيقة، فقال:"وأمُّه صِدِّيقة"؛ وقال أيضًا:"وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وكُتُبِهِ وكَانَتْ مِنَ القَانِتينَ"؛ كما قيل أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة، حيث جاء عنه ـصلى الله عليه وسلم قوله:"لو أقسمت لبررت، لا يدخل الجنّة قبل سابقي أمّتي إلا بضعة عشر رجلًا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران". 



ليس هذا فحسب، بل جعل الله مريم والمسيح عيسى آية للعالمين، حيث قال عز وجل: "وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ." ونقرأ في القرآن أيضًا: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ".



الخلاصة، أن الثابت في أذهان المسلمين أن مريم بنت عمران هي أفضل نساء العالمين، لاسيما وأن حياتها من المهد إلى اللحد جعلها الله آية للعالمين؛ كما أن ارتباط اسم مريم بزوج النبي محمد-ماريا القبطية-زادنا حبًا للاسم، وجعل حبنا للعذراء على قدر حب إخوتنا المسيحيين لها. 

وأمس يوم الثاني والعشرين من أغسطس هو عيد العذراء، "فسلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء".



* كاتب ومؤرخ



المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط