الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: آية الجمال

صدى البلد

استيقظت مبكرًا وعيناى محدقتان انظر إلى الساعة فى إحباط ... أتمنى أن يعود المؤشر  إلى اليسار وتتبدل دقائق الصباح إلى ساعات الليل الباردة ... أتحسس الأرض بقدماى كالطفل الذى يبدأ المشى الآن، منهك أقوم على مراحل بوجه شاحب... أسير ببطء حتى لا تتفرق عظامى وبرأسى ألف فكرة معقدة لا أجد لها حلا ...  أصل لنتائج مجردة ومُرضية، فأحلامى التى عانقتها بالليل لا أجد منها إلا بقايا أعذارفى الصباح... أتمنى لو النوم والراحة لا يعترفا بالفوارق الطبقية والمادية أو العمرية، وأن يقتنع عقلى بأن الحياة بسيطة وكل ما نتج عنها من تعقيدات ما هى إلا ضوابط  اضطر الإنسان اختراعها، وأقرتها المجتمعات والهيئات لتعذبنا جميعًا... أعتادت الروتين يوميًا، أعلم عدد السلالم التى أصعدها، عدد الخطوات الثابتة لمحطة الأتوبيس... الطريق لم يتغير ... صوت مساعد السائق وهو يجلجل "واحد معادى واحد معادى... خش رابع جنب أخواتك فى الكنبه اللى ورا ...!"، كل شيء يتحرك فى إطار ثابت ويتكرر بنفس الملامح، كل يوم أستمع لمكالمات زملاء الرحلة وكأننى أسدد فواتير لا يمكن الهروب من سدادها، منهم من يشتكى حاله ومنهم العاشق وكثيرًا منهم مثلى يضع سماعة الأذن بدون أن يسمع شيئا ... فقط يريد الهدوء المؤقت كى يتمكن من بدء يومٍ جديد يستطيع فيه أن ينجز ما يمكن إنجازه . ولكن هذه المرة حدث طارئ منعنى من النوم، سيدة فى أوائل الخمسينيات تعبر سنين عمرها فى جُمل مختصرة عبر الهاتف وأنها كانت فى شبابها "آية فى الجمال " يتعجب لها الآخرون، حتى كانوا إذا أرادوا أن يصفوا فتاة بالجمال قالوا عنها جميلة مثل فلانة، وكان ذلك سببًا فى جعلها كالقطة المدللة يتهافت عليها الخطاب منذ الصغر، وأنها تزوجت زوجها الحالى ولم تشعر نحوه بأي عاطفة، وكانت تمنى نفسها بأنها سوف تحبه بعد الزواج حين تصبح حياتهم مستقرة، ولكن ذلك الشعور لم يتغير بعد الزواج واستمرت مشاعرها حيادية تجاهه وقلبها لم ينبض له بالحب حتى بعد ما رزقت منه بالبنات والبنين، تنظر إليه دائما كالجبل الصامت إلى جوارها وتتساءل  فى صمت من أنت... ومن أنا، وماذا جنيت من رحلتى معك؟، مضيت معه أكثر من 32 عاما ولم يشعرنى مرة واحدة بلمسة رقيقة أو يهتم بأن يقول لى كلمة حب واحدة، نعم هو شخص طيب القلب  ويكن الجميع له الاحترام، لكنه ليس الزوج الذى أتمناه ولا أحب الجلوس معه طويلًا، كما أنه عديم الشخصية معى وأنا الذى أسيًره كيفما أشاء ولا ينفذ إلا أوامرى..  ولا يشغله سوى العمل الذى يذهب إليه وهو فى أسوأ حالاته الصحية، وكأنما لا يطيق الجلوس فى البيت معى.

جاء دورى فى النزول وهرولت فى النزول فدهست قدمها فنهرتنى قائلا: مش تفتح يا أعمى... !، لم أتردد فى اعلان أسفى قائلًا: ماشوفتش رجلك يا ست "آية الجمال".. وتبعتها بالعديد من المصطلحات التى صبت علىٌ جم غضبها، وبكلمات دخلت فى أذنى وغادرت من الأخرى دون إحداث أى دوى أو صدى. وكل ما طرأ فى بالى بأن هناك قلة من النساء يراودهم إحساس عجيب بأنهن ثروة عظيمة من الجمال لم يكن ليستحقها أزواجهن أو توضع بين أيديهم، مما يدفعهن لهذا الإحساس غير السوى إلى عدم الاقتناع بأزواجهن مهما قدموا لهن من عطاء ومهما حاولوا نيل رضاهن خلال رحلة العمر معهم، هى أنكرت عليه كل ميزة يراها فيه الآخرون وعميت بصيرتها عنها ومتوقع أنها تنغص عليه حياته مما ساعد ذلك على شرخ سقف الحياة بينهم فكف عن التعبير عن مشاعره التى لم يجد لها أى صدى من شريكة حياته، ورضى من الحياة بأقدارها وتفادى المشاكل معها واستجاب لكل رغباتها وتنفيد أوامرها بغير تزمر أو عناد، من المؤكد أنه أدرك منذ فترة طويلة أنها لا تحبه ويئس من استجداء مشاعرها وعوَض ذلك بالانشغال فى العمل، وأداء واجباته الأسرية والعائلية. وأن من يطلب حب الآخرين عليه أن يبدأ هو بحبهم، ويمهد أرضه لغرس بذور الحب بينه وبينهم فتطرح ثمارًا ويتعاون الجميع فى رعايتها وسقيها بالإهتمام ، أما من يجهر بكراهية البعض ثم يتعجب بعد ذلك من بعدهم عنه فهو الغرور الذى يصور للإنسان أحيانًا أن من واجب الجميع أن يقدموا الورود دائمًا تحت أقدامهم ، ويقول لنا شكسبير "بأن الغرور يعوضهم عن نقصهم وتفاهتهم ويصور لهم أن الشمس لا تشرق فى الصباح إلا لكى تلقى ضياءها على وجوههم" ، ولخص الفيلسوف العظيم نيتشه الأمر فى عبارة غاية فى الدقة والروعة قائلا "إننا لسنا فى الحقيقة سوى أشخاص عاديين من تراب الإنسانية لا يلتفت إلينا.. ولا يخطب ودنا ولا يتذلل لنا أحد .. لكنه الغرور نقمة من الله لأصحاب النفوس الضعيفة".

غادرت اليوم بشيء له بريق لا يذبل وهو أننا  اختزلنا الجمال فى أنف وعين وشفاه وقوام ونسينا أن الجمال الحقيقى ينبع من جمال العقل والفكر والصدق. 

-