الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مدبولي: الأماكن العشوائية جعلت الدولة تلهث لتوفير المرافق والخدمات لها

الدكتور مصطفى مدبولى
الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء

عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مؤتمرا صحفيا، اليوم، بمقر رئاسة مجلس الوزراء، بحضور كل من اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية، والدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وأسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، والسيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي؛ وذلك لتوضيح أبعاد قضية البناء العشوائي المخالف في المدن والقرى، أمام المواطنين، وما يخص تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء.

وكشف رئيس الوزراء عن أن البناء العشوائي أو غير المخطط يمثل نحو 50% من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية، لافتا إلى أنه اعتبارًا من منتصف الثمانينيات حتى عام 2015، وصلت نسبة النمو العشوائي في بعض الأحيان إلى أكثر من 70% من حجم البناء الذي يتم، وهو الوضع الذي أدى إلى ظهور حجم هائل من المشكلات والتحديات، التي نلمسها على أرض الواقع كدولة ومواطنين.

وتطرق رئيس الوزراء، خلال حديثه، لما حدث في قرى وريف مصر، موضحًا أن القرى عبارة عن تجمعات سكنية صغيرة تخدم الرقعة الزراعية الكبيرة التي كانت تتمتع بها مصر، لتأمين مصادر الغذاء لكل المصريين، مضيفًا أن هذه الرقعة الزراعية شهدت زحفا عمرانيا بشكل عشوائي غير مخطط على الإطلاق، ويتميز بأنه نمط غير متدرج للبناء أي نمو متبعثر، فضلا عن انتشار "العِزب" والتوابع للقرى غير المرتبطة بالكتلة السكنية، وهو ما مثل ضغطا كبيرا على الدولة.

وأشار في هذا الصدد إلى أنه اعتبارًا من عام 1980 حتى الآن فقدنا 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية، 90 ألف منها خلال الفترة من 2011 حتى الآن، وهو ما يُعد كارثة حقيقية، لأنه نتج عن ذلك فقدان مصدر من مصادر الغذاء للمصريين، إلى جانب فقدان العديد من فرص العمل التي كانت مرتبطة بالنشاط الزراعي، وهو ما ألقى عبئا كبيرا على الدولة تمثل في الاضطرار إلى استصلاح مساحات مماثلة في الصحراء لتعويض هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية.

وقال رئيس مجلس الوزراء، إن الدولة تتكلف ما يتراوح بين 150 إلى 200 ألف جنيه لاستصلاح مساحة فدان واحدفي الأرض الصحراوية، أي أنه لا بد من إنفاق نحو 18 مليار جنيه لتعويض الـ 90 ألف فدان المهدرة من الأراضي الزراعية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لن يتم تعويض هذه الآلاف من الفدادين، التي فقدناها، بين عشية وضحاها، إذ أن هذا الأمر يتطلب فترات طويلة للغاية حتى ننتهي من عمليات الاستصلاح ونستطيع تعويضها، وما يتضمنه ذلك من مد شبكات ري، وخطوط كهرباء، وأماكن للسكن للمواطنين الذين سيستقرون بها.

وأضاف رئيس الوزراء : الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بفقدان الرقعة الزراعية والبناء عليها بشكل عشوائي؛ فبمجرد تواجد الأهالي في هذه التجمعات غير المخططة والعشوائية يقومون بطلب مد المرافق من شبكات صرف صحي وخدمات أساسية، ومدارس، ووحدات صحية وغيرها؛ فأصبحت الدولة تلهث وراء هذه الأماكن العشوائية لتوفير كافة المرافق والخدمات لها، مشيرا إلى أن ذلك يؤدي إلى انتزاع ملكية أراض زراعية أخرى لإقامة محطة للصرف الصحي، أو مياه الشرب، أو إنشاء مدارس لتعليم أبنائهم.

ونوه إلى أنه، ولحرص الدولة على توفير هذه المرافق لأهالينا في القرى، نضطر لنزع ملكية أراض أخرى، وتعويض أصحاب هذه الأراضي، وهو ما يكلف الدولة الكثير، إضافة لتكلفة مد شبكات المرافق بأطوال أكبر ومحطات أكبر؛ للوصول إلى هذه التجمعات العشوائية داخل الأراضي الزراعية، وكان من الممكن أن تكون تكلفة توصيل هذه المرافق أقل بكثير للغاية، إذا ما كان نمو المباني يسير بشكل مخطط. 

ولتوضيح حجم مشكلة المباني المخالفة، ضرب رئيس الوزراء مثالا بالريف المصري، لافتا إلى أنه في عام 2014 ، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالبدء في تنفيذ مشروع كبير يتمثل في توصيل الصرف الصحي لكل القرى، مشيرا إلى أنه كان مسئولا عن هذا الملف آنذاك حينما كان يتولى وزارة الإسكان والمرافق.

وقال إن حجم تغطية الريف المصري من الصرف الصحي كان لا يتجاوز 12% من الريف، ولم تكن تكلفة إجمالي المشروعات تتجاوز 180 مليار جنيه لخدمة باقي الريف، وأصبح حجم التغطية الآن نحو 40% من الريف المصري، ومع استمرار النمو العشوائي والعزب وتوابعها؛ أصبحت تكلفة التغطية تتضاعف، الأمر الذي جعل الحكومة بحاجة إلى ضخ أكثر من 300 مليار جنيه في هذا الأمر، وإذا ما أخذنا في الاعتبار استمرار الوضع الحالي كما هو دون تغيير عشوائي إضافي، فنحن نحتاج لوقت وجهد كبير ومستلزمات ومعدات تصنع خصيصا لهذا الغرض، وهو ما يستلزم فترات زمنية أطول يمكن أن تمتد إلى 10 سنوات حتى ننتهي من تغطية الريف بشبكات الصرف الصحي، مع استمرار هذا النمو العشوائي، وكأننا نسير إلى سراب لن يتحقق، أو في حلقة مفرغة لن نستطيع الخروج منها بهذا الوضع.

أما في المدن وفي العمران القائم، فنحن نواجه ظاهرتين على نفس النمط على أطراف المدن بصورة أكثر تعقيدا، فبدلا من بناء سكن لأسرة في الريف أصبح هناك مواطنون في المدن ينشئون أبراجا سكنية مخالفة، وباتت هناك كتل سكنية متبعثرة بالطوب الأحمر على المحاور والطرق السريعة، تشوه المظهر الحضاري للدولة، وتضطر الدولة لإزالة مئات الوحدات السكنية لمجرد فتح محور للتيسير على حركة المواطنين، ناهيك عن توفير خدمات في هذه الأماكن.

واستطرد أن الظاهرة الأخرى تتمثل في الأحياء القائمة مثل الدقي ومصر الجديدة والعجوزة التي كانت مخططة بطريقة سليمة لا تتجاوز 4 طوابق في شوارع عريضة مناسبة، حيث يلجأ الكثيرون إلى هدم المباني القديمة في هذه الأحياء، وإقامة أبراج سكنية مرتفعة تصل إلى  12 طابقا، رغم حصولهم على رخصة هدم المبنى وإقامة 3 أو 4 طوابق فقط، وهو الأمر الذي يمكن وصفه بتسرب العشوائية إلى الأحياء المخططة أيضا، مما أدى للضغط على شبكات المرافق، لأنها كانت تستوعب أعدادا معينة من السكان، لكن مع إقامة طوابق مخالفة أصبح عدد السكان أضعاف أضعاف ما يمكن أن تتحمله هذه المرافق.