الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادى التونسي يكتب: الصفاء

صدى البلد

من منا لا يريد أن يصل إلى حالة من الصفاء الروحي، بعيدا عن التعلق بشيء، ليعيش سعادة و نشوة بالغة وغَرق فِي المتعة الذاتية، وينعم بمحوريته؟ و كيف يمكن للمرء أن يتحرر من المشاغل و الهموم والرغبات، وأن يحيد تأثير وعي انشغل بما يراه في عالمنا من توترات و اخبار ومشاعر سلبية؟
هناك من يري أن الدين وضع نظاما لهذا بالأوراد والأذكار والبرامج العباديّة ذات الطابع الذي يختلي فيه الإنسان بنفسه وربّه؛ فصلاة الليل وإحياؤه، وكذلك قراءة القرآن الكريم، وقراءة الأدعية النيّرة الرائعة، ليفر الصوفي من شوائب و أدران الحياة إلي  فيض الوجود الكبير ،يجول بخياله وفكره و بصره في كل أرجائه ، متأملًا عظيم هذا الصنع والإبداع في الكون , يعصر فكره في دقائقه وأسراره, متعرفا على مبدعه وفاطره , فالكون جميل في تناغمه وتناسقه وانتظامه وإحكامه ، جميل في إيحائه  , و يدل على عظمة وصفات خالقه و قدرته المطلق , وحكمته العظيمة , و لأن الله نفخ فينا من روحه،يتخلي الصوفي عن الوعي بذاته ، ليعيش حياة الروح للتحلي  بصفات الخالق رغبة في السمو والتوحد و التجلي. 
وهذا التأمل الديني يؤدي إلي  تقوية الإيمان , وتزكية النفس , وتحسن الأخلاق , فيصبح من مصادر الإبداع و الكرامات, والنهوض بالتكاليف الثقيلة في هذه الحياة ,لأنه كلما يتفتح العقل، يتفتح القلب ، ويشرق ،ويفيض نوره ، وتزداد معارفه ومداركه ، ويرتقي في سلّم الصعود إلى ربَّه ، ويتدرج مع السالكين إلى مراتب الكمال ، ومنازل المقربين ؛ ليكون في ربيع دائم.لأن الاهتداء للحقيقة يجعل القلب يطير حبورا، ويفيض نورا.
لكن التأمل ،و إن مارسه الصوفي للوصول الي حالة روحانية بمنطلقات إسلامية، ليس قاصرا علي دين أو عقيدة واحدة، فالطرق تتباين لإنجاز ذلك الهدف، و منها تأمل اليوجا، حيث يهدف فيها الممارس إفراغ ذهنه من الأفكار للوصول بالوعي نحو أعماق الذات للعثور على الذات العليا بالقلب( البرماتما )وتحقيق النرڤانا (الصفاء الروحي)، والهدف من ذلك مقاومة الإنسان لرغباته والتغلب عليها عن طريق طردها من التفكير. ويتم فتح كل مركز طاقة يعتقدونه عن طريق تحرير طاقته بالتخلص من الأمور السلبية كالشهوة والحقد والجهل وتحصيل الحكمة و البراءة و الاكتفاء و السلام و الشجاعة و الأمن و اللباقة و التحرر و التسامح و الوعي، ومن خلال الوعي يستطيع الإنسان السيطرة على أفعاله والقدرة على اتخاد قراراته، فالهدف من الحياة و إنضاج الروح هو تمالك النفس و ليس السيطرة علي الغير. وفصل الجسد برغباته عن الروح باعتبار أن السعادة متعلقة بالروح عبر التأمل هو وسيلة لسبر أغوار الذات واعتبار الجسد شيء خارجي، و بوصول الإنسان لمركز وجوده الداخلي فإنه يتحرر من الجسد ورغباته (المعاناة)، و يذكي القدرات الباراسيكولوچية الحدسية الخارقة !! ومن خلال ما سبق فإن العين الثالثة بمقدمة الجبهة هي مفتاح لولوج عالم الروح الخالي من المعاناة، ورغم أن التأمل قد يبدو طريقة سلبية وانسحابية لكن الفكرة واضحة. ومن ذلك تبنت فلسفات دينية أخرى فكرة : أن العقل عين تبصر مالا تبصره العين الفيسيولوچية.
و هناك يوجا حركية تعتمد علي  أوضاع معينة تسمى (أسانا) وتقنيات معينة فى التنفس تسمى (براناياما) بهدف دمج الروح والجسد والعقل فى تناغم , و أثناء ممارسة أوضاع اليوجا ،وكل منها له فوائدة فى التمرين  بالنسبة للعقل ،يساعدك التمرين على الوصول لحالة تركيز شديدة على أجزاء معينة من الجسم ، وكمثال أن تركز بشكل قوى على أن تترك عقلك يسترخى بينما جسمك يسقط إلى الأرض , وذلك يقوى العلاقة بين العقل والجسد ، كما يمكن من خلالها أن تواجه أو تركز على أفكار معينة وتصل إلى مرحلة من الهدوء والسكينة , وبالنسبة للروح فإنك تصل إلى حالة روحية عالية من خلال تقنيات التنفس الخاصة أثناء التمرين والتى تهدف الى التحكم فى مسارات الطاقة وتوازنها فى الجسم.
هذه التمارين تساعد الكبار على تجديد الثقة بالنفس والإنتباه والتركيز ، و هو ما يقلل من التعرض للسقوط المتكرر ويحسن من الحركة والمرونة الجسدية للكبار، بالإضافة الي المساعدة في علاج القلق و الاكتئاب و الضغط العالي و الربو و السكر و تحسين أسلوب المعيشة.
لكن الصفاء الذهني ليس بالضرورة بممارسات روحية. فهناك إمكانية للتدرب نفسيا دوما علي اختيار المشاعر الإيجابية بتوجيه الإنتباه الإنفعالي خارج الذات الي الحياة حولنا ، و تجنب الإستدراج إلي العواطف السلبية و تغذيتها بالاهتمام بها، فأنت تستطيع أن تختار عواطفك و أفكارك بإستمرار إراديا، حتي تصبح ممارسة تلقائية خلال شهرين أو أقل. و هناك ما يساعدك علي ذلك باختيار الصحبة الإيجابية و البعد عن الأخبار و المناقشات السلبية و التحلي بالصبر و التحمل و التركيز و التأمل و العيش في الحاضر بتقبل، و استيعاب دروس الماضي ،و تجنب التعلق و القلق و الضمان، فالحياة مغامرة موقوتة بها قدر و نصيب و خطواتنا مكتوبة فلنعشها بهدوء، كما يمكنك تهذيب النفس بتجنب الخوف والغضب والحسد والحقد والضغينة والكره والعدوانيّة والغيبة والسلبيّة وسوء الظنّ وغير ذلك مما يساعد على أن تفكّر براحة نفسيّة، وتعيش بسلام داخلي يجمع بين العاطفة والعقل، و هو ما يتطلب أن تملأ الفراغ بكل ماهو إيجابي و جميل و خير و حق.
و هناك سلوكيات تدعم تلك الإختيارات النفسية كالممارسات الروحية و الرياضية و تقنيات التنفس و الاستماع الي الموسيقي الجيدة و المشي وسط الطبيعة و الرحلات و النوم الكافي و الحياة المريحة المنظمة و القراءة و العمل التطوعي و تأمل الجمال و الاختلاء بالنفس وسط الطبيعة بعيدا عن مشاغل الحياة.كذلك يمكن إكتساب المرونة بالحديث إلى الأغراب وتدريب العين على استيعاب الأشياء غير المألوفة، والإصغاء للأفكار المضادة لقناعاتنا، والأهم من ذلك تقبل فكرة وجود عناصر وعوامل لا يمكننا السيطرة عليها، ولكن بإمكاننا مجاراتها وتعلم الدروس والعبر منها، فالحياة مهمة موقوتة لإنضاج الروح من خلال التعلم بالألم البناء من مشاكل نعاملها بترحاب كفرص للتعلم، و بها قدر و نصيب نتقبله بعد بذل المستطاع.  
 و يبقي بعد ذلك انه حتي بعض الفلاسفة والعرفاء الكبار كانوا إذا إستعصي عليهم أمر فلسفي دقيق، جعلوا ملجأهم الله، فصلّوا لله تعالى ،وطلبوا منه العون، ليفكّروا في طمأنينة، وفي إحساسٍ سعيد بأنّ قوّةً غيبيّة قد تُعينهم للوصول إلى حلّ، فهذا الإحساس عندما يصاحبك وأنت تبحث في قضيّة عقليّة جافّة، فهو يندمج مع جفاف العقل، كغيث ينهمر بمطرٍ على أرضٍ يابسة قاحلة جافّة.و من المهم أن تشعر بأن الله معك، لتتفاءل و تصبر و تواجه المصاعب، و تتجنب النقمة و الإحباط، فمن يدري ما يخبؤه القدر، و التماشي مع الحياة يستبعد الصراع النفسي و القلق و الإحباط ،و الشعور بالإكتفاء و العرفان يجلب الطاقة الإيجابية و النجاح، و يوفر الطاقة للإنجاز و الراحة النفسية.