"الفقر أكلنا وأكل عيالنا وأخد ونهش فينا مرحمناش والدولة عميت عننا ومشافتناش وكأنناوعيالنا تراب اتخلقنا عشان ننداس"، بهذه الكلمات أخذت السيدة الثلاثينية "م. ال"، تتحدث عن قسوة الأيام عليها وعلى أسرتها وأطفالها.
سيدة لم تلق سوى بيت أسفل الكوبري الجديد بناحية بني حميل بمركز البلينا جنوبي محافظة سوهاج، يحتويها، مكون من أربعة حوائط من الطوب النيئوالطين يعلوهم سقف من الخوص، منزل دون فراش لا يحمي من أشعة شمس الصيف ولا هواء الشتاء البارد ليلًا، تنام وتحتضن أطفالها السبع لتُدفئهم بين ذراعيها بقدر استطاعتها.
يُلام عليها وعلى زوجها لإنجابهما هذا العدد من الأطفال بمكانً لا يصلح لإيوائهم، إلا أنهما بررا ذلك بعدم قدرتهما على متابعة الأطباء لوقف النسل، كما أنهما كانا لا يهتما للأمر فهما ولدا وترعرعا بين أشقائهما وذويهما أسفل الكوبري على جانب الترعة، ولكن اليوم ما تغير هو الزمن فلا أحد يمد يد العون لغيره أبدًا، من وجهة نظرهم، والجميع يُعاير بعضه بما ليس له إثم به.
وقالت السيدة: "زمان مكنش فيه تليفزيون ولا تليفونات ونت ومكنش حد يشوفنا والإعلام بيتكلم عننا ومفضوحين على الفاضي ولا مسئول بيعبرنا ولا حد بيرد علينا... دلوقتي احنا مش واخدين حاجة إلا البهدلة والتنمر وقلة القيمة".
واستكملت حديثها بنبرة غضب قائلة: "في المدارس بيقولوا لأولادنا يا شحاتين ياللي ملكمش مأوى وبيوتكم في الشوارع وعلى الترعة، هو ذنب عيالنا إن أهاليهم معرفوش ياخدوا حقوقهم من الدولة والمجتمع".
يقطع هذا الحديث طفل صغير يرتدي ملابس أكلها تراب المنطقة الجالس بها لونها أحمر غامق، يهز رأسه وذراعيه محاولًا بذلك تهدئة والدته والاطمئنان عليها، فيصمت الجميع ليُطمئن الصغير، فيبتسم ابتسامة تملؤها براءة الطفولة، الخالية من هموم الدنيا ومشكلاتها.
اقرأ أيضا:
فتتحدث والدته عنه بحزن شديد وبنبرة صوت متقطعة:" ده عنده ٩ سنوات، وهو عنده سنتين اكتشفت إنه أخرس ومش بيتكلم ومحتاج عملية عشان ينطق وانا عاجزة وما باليد حيلة والبلد ولا كأننا مواطنين فيها، لا معالجة المريض فينا ولا مسكن للي ملهوش سكن ولا بيت يأويه".
واستكملت: "أروح بابني فين، مش حرام طفل جميل زي ده كده ناس كتير تتمنى يكون عندها ضافره يكمل عمره اللي كاتبهوله ربنا أخرس.. نفسي حد يساعدنا ويحس بينا وبولادنا إحنا غلابة والله وملناش إلا ربنا وعيالنا تعبوا من الإهانة والذل والمعايرة بحياتهم اللي مختروهاش".