الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«أمريكا عائدة».. هل تستطيع؟





بمجرد إعطاء الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الضوء الأخضر لنقل السلطة إلى فريق الرئيس المنتخب جو بايدن، برز شعار جديد في سماء السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستكون "مستعدة للقيادة" مجددا على الساحة العالمية، وتعهد بالعمل مع حلفاء واشنطن في الخارج، وفي معرض تقديمه لفريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي، أشار بايدن إلى نيته بعد تولي السلطة في العشرين من يناير المقبل، إبعاد الولايات المتحدة عن النهج الوطني أحادي النزعة الذي تبناه الرئيس الحالي دونالد ترامب، وقال بايدن أيضًا إن فريقه، الذي يضم أنتوني بلينكن، مرشحه لتولي وزارة الخارجية ومساعده الذي يحظى بثقته، سينأى بنفسه عما أسماه الرئيس المنتخب "الفكر العتيق والأساليب القديمة" في منهجه للعلاقات الخارجية، وقال بايدن أيضًا إن فريقه "يجسد حقيقة أن أمريكا عادت ومستعدة لقيادة العالم، وليس الانسحاب منه، وسيجلس مرة أخرى على الطاولة وهو مستعد للتصدي لخصومنا وتقبل حلفائنا والدفاع عن قيمنا"، وهذا كله يعني قطيعة مع شعار "أمريكا أولًا" الذي حكم السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأربع الماضية، وترتبت عليه تغييرات ونتائج يبدو من الصعب على أي إدارة أمريكية مقبلة معالجتها بسهولة.
واللافت في خطاب بايدن قوله أنه تلقى اتصالات من زعماء نحو 20 دولة عبروا خلالها عن "تطلعهم إلى عودة الولايات المتحدة لتأكيد دورها التاريخي كزعيمة للعالم"، وهذا الأمر يطرح تساؤلات بحثية حول امكانية تحقق شعار الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بشأن عودة الولايات المتحدة إلى مقعدها في قيادة النظام العالمي القائم.
وفي الرد على هذه التساؤلات يمكن الاشارة إلى أمور عدة أولها أن شعار "أمريكا عائدة" يعني ضرورة معالجة وترميم الآثار الانسحابية التي خلفتها استراتيجية "أمريكا أولًا" التي انتهجها الرئيس ترامب، ونجم عنها فجوات عميقة بين واشنطن وحلفائها في العالم أجمع، سواء على صعيد التجارة والاقتصاد أو على الصعيد الأمني والعسكري (حلف شمال الأطلسي) أو الشراكات الاستراتيجية الأخرى التي تجمع الولايات المتحدة بحلفاء وشركاء تاريخيين، ولاشك أن معالجة هذه الآثار لن تتم بسهولة، فهناك انسحابات تمت من اتفاقات دولية مهمة مثل "اتفاق باريس" للمناخ، وهناك خلافات تعمقت مع شركاء حلف الأطلسي، وهناك صراع متفاقم مع قوى دولية أخرى مثل الصين التي أصبحت العلاقات معها تضاهي فترة الحرب الباردة، وكذلك الحال مع روسيا. الأمر الثاني أن نهج الرئيس المنتخب بايدن يعني ضرورة عودة السياسة الخارجية الأمريكية للاعتماد على التعددية والدبلوماسية من أجل إصلاح علاقات واشنطن مع حلفاء رئيسيين، وتبني توجهات جديدة بخصوص قضايا مثل التغير المناخي والاتفاق النووي الموقع بين الولايات المتحدة وبقية مجموعة "5+1" وإيران.
الأمر الثالث أن عودة الولايات المتحدة إلى مقعد قيادة العالم يتطلب بيئة عالمية مواتية وقبولًا من القوى الكبرى لهذه العودة، وهذا الشرط ربما يعد الأكثر مرونة وتحققًا في ظل البيئة الاستراتيجية الدولية المواتية تمامًا لعودة الولايات المتحدة للقيادة لأن تجارب السنوات الأربع الفائتة قد اثبتت بالفعل أن فراغ مقعد القيادة يأتي بكوارث كبرى على الأمن والاستقرار العالميين، ويوفر الفرص لقوى هيمنة اقليمية تسعى لفرض أجندات خاصة في محيطها الاستراتيجي ما يسبب فوضى واضطرابات في مناطق عدة من العالم كما هو الحاصل جراء التدخلات التركية والايرانية في شرق المتوسط ودول عربية عدة. 
يمكن القول كذلك أن غياب القيادة الأمريكية عن قمة هرم النظام العالمي قد أسهم بدرجة كبيرة في حالة الفوضى والانقسام التي سادت العالم في مواجهة تفشي وباء "كورونا" (كوفيد ـ19) حيث تسبب انكفاء الولايات المتحدة على نفسها وانشغالها بالنتائج المترتبة على سوء إدارة الأزمة وتحولها إلى  واحدة من الدول الأكثر معاناة في مواجهة الوباء، تسبب في حالة حادة من الصراع والانقسام الدولي العميق الناجم عن فراغ مقعد القيادة وضعف المؤسسات الأممية المعنية بمعالجة مثل هذه الأزمات. وبالتالي فإن العالم في هذه الظروف قد يصطف بسهولة خلف القيادة الأمريكية مجددًا، لاسيما أن البيئة الاستراتيجية الدولية تعاني حالة من السيولة والضعف الشديدين لانشعال القوى الكبرى جميعها بمعالجة تأثيرات الوباء، فضلًا عن الحذر الصيني الواضح في التقدم لشغل مقعد القيادة أو المزاحمة عليه في الوقت الراهن.
ولاشك أن قناعة بايدن بضرورة العودة للعمل مع الحلفاء ربما يسهم في استعادة الولايات المتحدة لدورها العالمي بوتيرة أسرع، ولكن لا يجب أن ننسى أن إدارة بايدن تواجه تحديات أعمق من مسألة قيادة العالم، فلديها تحد خطير يتعلق بترميم الانقسام الأمريكي الداخلي، والسعي الجاد لرأب الصدع الحاصل في البلاد، والذي عكسته الانتخابات الأخيرة بدرجة واضحة للجميع، لذا ند صدى هذه الحالة قد انعكس في أو كلمات الرئيس المنتخب لدى إعلان فوزه بالانتخابات حيث قال "حان وقت الشفاء في أمريكا، أتعهّد أن أكون رئيسًا لا يسعى إلى التقسيم بل إلى التوحيد"، ناهيك بالطبع عن التحدي الأخطر الذي يواجه الرئيس الجديد، والمتمثل في صياغة استراتيجية بديلة قادرة على وقف اندفاع وباء "كوورنا" في الولايات الأمريكية، حيث يمكن القول ـ من دون مبالغة ـ أن مفتاح انطلاق الإدارة الأمريكية الجديدة لابد وأن يمر عبر بوابة كبح جماح تفشي فيروس "كورونا" في البلاد، فضلًا عن معالجة إشكاليات ومعضلات أخرى مثل العنصرية والهجرة وحيازة الاسلحة النارية.
والحقيقة أن شعار "أمريكا عائدة" سيبقى موضع اختبار بانتظار خطوات إدارة بايدن الأولى نحو تحقيق الشعار والتعاون مع الحلفاء، وقناعتي أن هناك تحديات الداخل ستكون الأهم بالنسبة لبايدن الذي بنى حملته الانتخابية عبر اختراق القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب من فئة الطبقة العاملة، وتسويق نفسه للناخبين باعتباره "المنقذ" الذي تحتاجه البلاد للخلاص من كارثة "كورونا"، أما على صعيد السياسة الخارجية فيتوقع أن يساعده في ذلك اختياره لفريق متجانس من ذوي الخبرة الاحترافية في العمل الدبلوماسي، حيث يمثل كل من انتوني بلينكين (مرسح لوزارة الخارجية) وليندا توماس (مرشحة كمندوبة بلادها في الأمم المتحدة) وجيك سوليفان طاقمًا يدين بالولاء الشديد للرئيس بايدن ومعروف عنهم وسطيتهم في السياسة الخارجية، ورغم أن الروابط التي تجمع هذا الفريق مصدر قوة، ولكنها قد لا تكون مصدر تنوع وثراء عند مناقشة البدائل والتصورات واتخاذ القرار، ولكن يبقى مصدر قوتهم في الانسجام الفكري وكونهم يميلون للعمل باحتراف وليس انطلاقًا من أيديولوجيات سياسية بعينها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط