الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

موت الأب


سبع سنوات كاملة أهرب من تلك المواجهة المؤلمة، تأتى فكرة الكتابة عنك فأهرب منها، 2555 صباح دون أن أسمع فيها صوتك، 2555 ليلة غياب أنت الذى لم تغيب أبدا، احترفت الغياب.
أحداث كثيرة يا أبي مرت منذ اليوم الأخير لك، رحلت في 15 يناير 2014، عقب مشاركتك في الاستفتاء على تعديل الدستور كواجب وطنى أخير حرصت على تأديته ، أربعاء ثقيل شمسه غابت سريعا، كنت أقف على باب المستشفي كان لدى أمل يشبه خيوط الضوء المتأكلة الهاربة مع سطوة الليل.
الليل أدركت يومها معنى أن يكون هناك ليل، شعرت بكثافة العتمة التى تملأ كل ركن بداخلى، تلك التي كانت غائبة بفضل شمسك التى منحتنى دوما النور والدفء، في منزلنا الطيب المُشبع بصوتك وحكاياتك، كانت الليلة الأخيرة عندما أخذناك من المستشفى جسد فقط اتعبه الزمن، قلبك المُجهد ارتاح أخيرا، قلب لم يعرف إلا أن يقدم ويبذل ويحب. 
برد يناير، وهل لهذا الشهر برد؟، لم أشعر بهواء "طوبة" إلا في تللك الليلة، تسلل الصقيع إلى روحي المتعبة، "الموت" والغياب والفقد مفردات كنت أهرب منها، كنت اتجنبها لسنوات كثيرة عندما يتعلق الأمر بك، إلى أن أصبحت المواجهة حتمية، مواجهة موت الأب، الفكرة التى عشت طويلا أهرب منها، تضعنى أمام جثمانك بابتسامتك الصافية التى تزين وجهك الطيب. 
شريط طويل من الذكريات يمتد بين قلبي وقلبك، خيط من النور، ارى نفسى هناك في طريقى إلى المدرسة وأنت تحمل عنى حقيبتي الثقيلة ويدى الصغيرة تختفى بين أصابعك الدافئة، نشترى الحلوى ونضحك كصديقين، تودعنى عند باب المدرسة تبتسم وتمضى إلى عملك، هى الآن  نفس الابتسامة القديمة ولكنك لا تقوى على التلويح بيدك الساكنة بجوارك.
مشيعون كثيرون يا أبي تواجدوا أمام المنزل، يعلنون في صمت محبتهم الكاملة، ودموع الرجال العزيزة كانت سخية تشبه أمطار يناير الحزين، عندما حُملت إلى الكنيسة، كنت أدرك أنها أوقات قصيرة باقية حتى تغيب تماما عن عالمنا الباهت، رغم الزحام لم أكن ارى أحدا، فقط كنت أشعر بطيفك يجول في وسطنا وكأنك تشكر الناس كعادتك لحضورهم يوم تكريمك، روحك تعانقني أشعر بها خفيفة تمسح عيني من دموع كثيرة، دموع طفل تائه يبحث عن يد والده في زحام غير منتهى. 
نجاحات كثيرة يا أبي تحققت في غيابك ينقصها فقط حضورك، ميرولا الصغيرة تسأل دوما عنك، فأخبرها بالعديد من الحكايات التى لا تنتهي،  وعندما تلح في السؤال عن مكان وجودك، لا أجد سوى التأكيد لها على أنك هناك تسكن في السماء البعيدة، فترتاح للفكرة، وأبدأ انا رحلة جديدة من الذكريات.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط