الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى وفاة الإمام ابن ماجه.. كان كثير السفر لطلب الحديث ولقب بأحد أئمة الأعلام

سنن ابن ماجه
سنن ابن ماجه

يوافق اليوم، العشرين من شهر فبراير، ذكرى وفاة الإمام ابن ماجه، صاحب سنن ابن ماجه، أحد كتب الصحاح الستة، التي تشمل صحيح البخاري ومسلم، وسنن النسائي والترمذي وأبي داود وابن ماجه.

نسبته ونشأته
هو الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، «ابن ماجه» أحد أصحاب الكتب الستة ومصنف السنن والتاريخ والتفسير، وحافظ قزوين في عصره، هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القَزْوِينِيُّ، وُلد بقزوين 209 هـ.

نشأ ابن ماجه في جو علمي، ومن ثَمَّ شبَّ محبًّا للعلم الشرعي عمومًا، وعلم الحديث خصوصًا؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصَّل قدرًا كبيرًا من الحديث، وقد هاجر سنة 230 هـ في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفًا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف؛ إذ أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر، وفي كل بلد ارتحل إليها.

شيوخه وتلامذته
وقد تتلمذ ابن ماجة على يد عدَّة شيوخ منهم: إبراهيم بن المنذر والزبير بين بطار وسلمة بن شبيب وزهير بن حرب وتتلمذ كذلك على يديه إبراهيم بن دينار وإسحاق بن محمد وسليمان بن يزيد، وقد مدحه العلماء فقيل عنه: أنَّه أحد أئمة الأعلام وأنَّه ثقة كبير مُحتجٌ به عارفًا بعلوم الحديث وجميع ما يتعلق به.

وكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه نظرًا لكثرة أسفاره ورحلاته ، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامي وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد، وخلق كثير، وقد ذكرهم في سننه وتآليفه.

ثم عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان، ولم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجه على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس, وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبد الله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وغيرهم من مشاهير الرواة.

سنن ابن ماجه
هو أحد كتب الحديث وقد رتب ابن ماجه الأحاديث به على الكتب والأبواب، فاشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابًا وألفٌ وخمسمائة باب، وقد بدأ كتابه بباب اتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك ساق بها الأحاديث الدالة على وجوب اتباع السنة النبويَّة، ويشمل كتاب سنن ابن ماجة على ما يزيد عن 4000 حديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف وكذلك يشمل على الأحاديث الموضوعة لكنَّها بنسبة قليلة، وقد انفرد ابن ماجه بتخريج ألفٍ وثلاثمائة وتسعٌ وعشرون حديثًا، وقد عدَّ بعض العلماء كتاب سنن ابن ماجة بالدرجة الأخيرة من مراجع الأصول للسنة النبويَّة، بسبب تفرده بأحاديث عمن هم متهمين بالكذب، ولهذا الكتاب عدَّة شروح منها: الديباجة بشرح سنن ابن ماجة ومصباح الزجاجة على سنن ابن ماجة وما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجة وشرح سنن ابن ماجة لكنَّ صاحبه لم يُتمَّه.

لم يخلد الزمان من كتبه غير كتابه «سنن ابن ماجه» أحد الصحاح الستة؛ فقد ضاعت مصنفاته مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية» بأنه "تفسير حافل"، وله أيضًا كتاب في التاريخ أرَّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل".

قال الذهبي: «سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كَدَّرَهُ بأحاديث واهية ليست بالكثيرة»، ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، ومن ذلك: «شرح سنن ابن ماجه» للحافظ علاء الدين مغلطاي، و«مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه» للجلال الدين السيوطي، و«شرح سنن ابن ماجه» للمحدث محمد بن عبد الهادي السِّندي.
وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتابٍ وخرَّجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.

نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودًا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقد قال عنه ابن خَلِّكان: «كان إمامًا في الحديث، عارفًا بعلومه وجميع ما يتعلق به»، وقال الذهبي عنه: «كان ابن ماجه حافظًا، ناقدًا، صادقًا، واسع العلم».

وبعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف درايةً وروايةً، دارسًا ومدرسًا ومؤلفًا، تُوفي ابن ماجة قزوين يوم الإثنين ودُفن يوم الثلاثاء سنة 273 هجري،  الموافق 886م، والذي تولى دفنه أخاه أبو بكر وابنه عبد الله وكان عمره آنذاك أربعًا وستين عامًا، وتولى دفنه مع أخيه الآخر أبو عبد الله وابنه عبد الله بن محمد بن يزيد.