الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.عصام الهادى يكتب: حدث الإسراء والمعراج وعظمة التكريم الإلهي

صدى البلد

إن حدث الإسراء والمعراج دليل على عظمة الله وقدرته، فهو حدث تجاوز حدود الزمان والمكان، تتجلى فيه نعم الله ومنته، وكرمه وفضله، ورحمته وحبه للحبيب النبى صلى الله عليه وسلم،بعد أن وقعت به الشدائد،ونزل به الضرّ، وتطاول عليه سفهاء القوم بالأذى والاضطهاد، ونالوا منه مايُحزن قلبه ويضيق منه صدره، سواء كان ذالك بالقول أو بالفعل، فما من محنة تصيب المؤمن إلا وهى متضمنة لمنحة إلهية كبرى، تلك هي حكمة الله تعالى فى خلقه، يصيب بها من يشاء من عباده، يقول الله تعالى: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا). 

فشاءت حكمة الله اللطيف الرحيم أن يمن على نبيه الكريم بمنحة لم ينل شرفها قبله نبى مرسل ولا ملك مقرب، وهي منحة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا،  فكانت رحلة عطاء وتكريم إلهىّ وتشريف ربانىّ تقديرا له على صبره وتحمّله، وتثبيتا لفؤاده صلى الله عليه وسلم.

وكانت رحلة تشريع فرضت فيها الصلوات الخمس بأجرخمسين، كما كانت رحلة كاشفة كشف الله له فيها عن ملكوته وأطلعه على بعض الغيبيات التى لم يخبر بها أحدا قبله ، فرأى من آيات ربه الكبرى(ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى). 

إن رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حادث عادى، بل اشتملت هذه الرحلة النبوية على فوائد كثيرة ودروس عظيمة نستطيع من خلالها أن نفهم حقيقة الدنيا، وأن نفقه المنهج النبوىّ الذى نسير عليه حتى نحظى بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبته فى الجنة فمن ذلك: 

١- ما وقع للنبى صلى الله عليه وسلم قبل هذه المحنة من محن دلالة على ضرورة الثبات على طاعة الله سبحانه وتعالى، والصبر على البلاء مهما كان كبيرا، واليقين بأن الله تعالى جاعل دائما بعد العسر يسرا وبعد الكرب فرجا وبعد  الضيق مخرجا، مصداقا لقول الله تعالى: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا). 

٢- أنه حينما تساق للشخص بعض الشدائد والمحن ويضيق عليه كل شئ، فليعلم أن الله يحبه، لأن الله إذا أحبّ عبدًا ابتلاه وعجل له بالعقوبة كى يعيده إليه.

٣- وفى اختيار الله عز وجل أن يسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ويعرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا ليلا، دلالة على أن الليل ستار وسكينة، وهو ما يأنس فيه المسلم بربه عز وجل، يقول أحد المفسرين: “وإنما أسري به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلًا لمزيد الاحتفال بهذا النبى، فإن الليل وقت الخلوة والاختصاص، ومجالسة الملوك، ولا يكاد يدعو الملك لحضرته ليلًا إلا من هو خاص عنده”. 

٤- وأما إمامة النبى صلى الله عليه وسلم بالأنبياء، فهو إقرار وتأكيد على أن الرسالة المحمدية هى خاتمة الرسالات السماوية، التى تتفق جميعها فى المنهج والهدف والغاية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا خاتم النبيين ولا فخر". 

٥- وفى الإسراء بالنبى صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلاته بالأنبياء هناك دلالة على أهمية المسجد الأقصى في الإِسلام، فهو القبلة الأولى التى صلى المسلمون إليها فى الفترة المكية، وثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بمكة، وثالث الحرمين الشريفين، ولا تشد الرحال بعد المسجدين الشريفين إلا إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام، ومسجدى هذا، والمسجد الأقصى"، وفى ذلك توجيه للمسلمين جميعا بأن يعرفوا قيمته وفضله ، ويستشعروا بمسئوليتهم نحوه. 

٦- وما أراه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من الآيات فى رحلة المعراج إلى السموات العلا خاصة ما يتعلق بعقوبات بعض الكبائر والمعاصى كالغيبة وأكل أموال اليتامى وأكلة الربا وغير ذلك فيه دلالة على شدة الموقف وهوله، وفيه تأكيد على عدم التساهل والوقوع فى مثل هذه المعاصى المهلكة، لأن الأمر متعلق بحقوق العباد.

٧- وفى فرضية الصلاة ليلة المعراج دلالة على شرفها ومكانتها وفضلها، فهى آخر ما وصى به النبى -صلى الله عليه وسلم- أمته عند رحيله ووقت فراقه للدنيا قائلا : "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم". 

٨- وما قاله نبى الله موسى عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند فرض الصلاة خمسين صلاة:" فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك" فيه دلالة صريحة على أهمية النصح وقيمته فى الإسلام،  وإشارة إلى أن المسلم له حق على أخيه المسلم. 

٩- ثم إن جواب الصديق رضى الله عنه لما أخبره كفار قريش بهذا الحدث العظيم: " إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك" فيه دلالة على قوة إيمانه، ويقينه بصدق صاحبه وحبيبه صلى الله  عليه وسلم، ولذلك استحق لقب الصديق، وأيضا فيه دلالة على التسليم المطلق بالغيبيات لأن ذلك من مقتضيات الإيمان.

وفى النهاية: سيظل هذا الحدث العظيم، وتبقى هذ المعجزة الخالدة من أعظم المعجزات التى أيد الله بها نبيه الكريم بعد سلسلة من المحن، وهي بالإضافة إلى ذلك مدرسة للمسلمين في كل زمان ومكان،  يستلهمون منها ما يفيدهم فى جميع مناحي الحياة، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة.