الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

51 عاما على مجزرة مدرسة بحر البقر.. أهالي الشهداء والناجين يفتحون قلبهم لصدى البلد.. شاهد

مرور 51 عامًا على
مرور 51 عامًا على مجزرة مدرسة بحر البقر

 

"أقدم العدو في تمام الساعة التاسعة والعشرون دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية".. كان هذا جزءاً من البيان العاجل الذي قطعت به الإذاعة المصرية بثها في صباح 8 أبريل 1970م لمجزرة شهداء مدرسة بحر البقر التي حلت ذكراها الـ 51 نتيجة قصف الطيران الإسرائيلي مدرسة الأطفال العزل التي راح ضحيتها 19 تلميذًا وتلميذة وأصيب أكثر من 50 آخرين.

 

التقى موقع "صدى البلد" من خلال خدمة البث المباشر على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" بعدد من أسر الشهداء والناجين من المجزرة الإنسانية بمدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة إضافة إلى شهود عيان على الحادثة المأساوية من أمام النصب التذكاري بالقرية والذي يحمل أسماء الشهداء الـ 19.


اليوم الأسود

تقول الحاجة نبيلة على محمد حسن، 77 عامًا، ووالدة الطفل الشهيد ممدوح حسني صادق في فيديو بث مباشر لموقع "صدى البلد" إنه لم يكن أبدًا من المتوقع قيام الاحتلال الإسرائيلي بمثل هذه المجزرة الإنسانية، وأنها في وقت وقوع الحادثة كانت تخبز العيش لأولادها الخمسة بما فيهم الشهيد ممدوح الذي لم يتجاوز الـ 6 سنوات من عمره ثم فؤجئت ابنتها الكبيرة تجري عليها مرددًا " المدرسة وقعت على أخويه يا أمي" لتسرع الأم في لهفة وخوف وارتجاف لرؤية ما حدث لابنها في المدرسة الابتدائية التي تبعد عنها 100 متر فقط.

عربة الشهداء

لم تتحمل "نبيلة" صاحبة الـ23 عامًا وقتها والتي توفي زوجها قبل الحادثة عام 1966م صدمة ما سمعت ولا ما رأت حيث وقعت على الأرض وقعة فقدت على إثرها حاسة الشم تمامًا حتى الآن خاصةً بعد رؤيتها لرجلين من أهالي القرية قادمين إليهما بابنها الشهيد يحملاناه معًا من رأسه وجذعه والآخر من قدميه ثم أتي شخص ثالث لها وجعلها تركب في العربة التي كانت تحمل جثث الأطفال الشهداء والمصابين إلى مستشفى مدينة الحسينية بالمحافظة.


أراضي القطن

"الطائرة الإسرائيلية كانت وقتها بتعلي وتوطي علينا".. بهذا الكلمات تصف الحاجة "نبيلة" لحظات الصدمة والوحشية والألم التي عاشتها حيث ركبت مع ابنها في عربة الشهداء والمصابين المتجه إلى مستشفى الحسينية، لكن لم تقدر على تحمل الآهااات التي تسمعها ولا الدم الذي يتساقط بكثرة من العربة على الطريق الشاهد على الحادثة، معلقةً: " العربية بتصر دم الأطفال المتقطعة على الطريق، واللحم بيقول آه آه آه آه، ما استحملش فتوسلت ليهم ينزلوني في عزبة المناجاة الصغري- أول مكان بعد البحر- في أراضي القطن، وجلست وابني الشهيد في حضني حتى أتي لي أحد الأشخاص الأقارب لدفنه بجوار والده الذي بقي معي لمدة 7 سنوات ثم توفي أيضاً".

حلمي العمرة

تؤكد الحاجة "نبيلة" أنها لم تنسي هذا اليوم ابدًا رغم أن نار قلبها على طفلها الشهيد بردت فور انتصار الجيش المصري عام 1973م بحرب أكتوبر المجيد "وقتها جه البلد 7 عربيات شايلين ورد جميل، فبقا جسمي يرتعش من الفرحة على حق ابني اللي كانت إصابته فظيعة، فرأسه اتفتحت ودمه غرق التختة والكراريس، وكل مقتنياته وصورته في متحف شهداء بحر البقر"، مختتمةً: "حلمي الوحيد أعمل عمرة وأموت هناك عند الكعبة، ودا اللي هينسيني كل الأمراض من المرارة وتعب عضلة القلب والسكر والضغط، بيها هنسي كل الأمراض وأطيب".

تفاصيل الحادثة

يروي السيد عبد الرحمن حسن، أحد الناجين من مجزرة مدرسة بحر البقر في فيديو  بث مباشر لموقع "صدى البلد" أن المدرسة كانت مبينة على طراز جميل يضم 4 فصول تعليمية وغرفة للناظر وأخرى للعمال وصالة تتوسطهما وحوش مستقل، وكانت يدرس بها حوالي 130 طالب وطالبة، ولحسن الحظ لم يحضر للمدرسة يومها سوى 89 منهم فقط، موضحًا أنه كان وقت المذبحة في حصة الحساب بالصف الأول الابتدائي ثم فؤجي وزملائه بضرب المدرسة وتحولها إلى أنقاض فوق رؤوس الأطفال العزل".

رحلات للنسيان

يضيف "السيد عبد الرحمن"  أنه بعد القصف الذي تم بواسطة 5 قنابل تزن (1000 رطل) وصروخين لم يستيقظ لوعيه إلا في المستشفى حيث أصيب بعدة إصابات في رأسه، مشيراً إلى أهالي قرية بحر البقر والمسؤولين عزلوا المصابين لوحدهم وانتهوا استخراج جثث الشهداء بعد ثلاثة أيام من الحادثة وبعد أن تم شفاء جميع المصابين على خير وجهت الدولة المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر بإخراج الأطفال في زيارات داخل مصر وخارجها إلى المتاحف وحدائق الحيوان بمدن مصرية ودول كألمانيا وبلغاريا.


صاحب الشهيد

يبين السيد محمد محمد شرف الدين، أحد المصابين في المدرسة وصديق مقرب لأحد الشهداء في فيديو  بث مباشر لموقع "صدى البلد"أنه لم يفوق لأحداث الواقعة إلا بعد 3 شهور من وجوده في المستشفي، حيث تعرض لإصابات في وجه وصدره، ومن أصعب المواقف التي لا ينساها موت صديقه المقرب، و عدم قدرته على شرب قطرة مياه بسبب البنج، فنسي الحادثة وأنه في المستشفي، وكان ينادي على والدته وكأنه في البيت "ميه يا أمي".


كأنه امبارح

يلفت "السيد محمد" أحد المصابين في المدرسة والصديق المقرب لأحد الشهداء أن الزيارات الرئاسية وقتها إضافة إلى حضور الفنانين كانت ترفع من روحهم المعنوية وتسهم في تخليد هذه الذكرى المأساوية كي تتذكرها كل الأجيال، لافتًا: "ترك معظمنا التعليم بعد أثر الحادثة، وفرحنا بإقامة المحتف والنصب التذكاري، ونتمني إصدار معاش لنا".


عائلة الشهيد

ومن محافظة الدقهلية أتي شقيقين وأختهم لزيارة قبر أخيها الشهيد فاروق إبراهيم الدسوقي هلال، وهم ترتيب الأعمار: "وجدي، عنيات، سمير" منذ ساعات الصباح الباكر على مدار الـ 51 عامًا كما تعودوا سواء مع والديهم أو بمفردهم أو مع أبنائهم ومؤخرًا أحفادهم لإلقاء نظرات على قبر الشهيد وقراءة الفاتحة له وباقي الأطفال الشهداء ثم تبادل الحديث مع أحفادهم عن تفاصيل مذبحة 1970م ببحر البقر.

معاناة الشهيد

يوضح الأخ الأكبر"وجدي" في فيديو  بث مباشر لموقع "صدى البلد" أن عمر أخيهم الشهيد" فاروق" وقتها 12 عامًا، وهو أكبر منه بسنتين، وكان يسير على قدميه يوميًا لمدة 10 كيلو للمدرسة حيث كانت في منطقة "بحر البقر 2" وهم يسكنون في "بحر البقر7" وأنه خبر الحادثة وصل لهم سريعًا وأنه كان يعمل بورشة وأتي ووالده على الفور لرؤيته أخيه الذي ظل يعاني من الساعة التاسعة والنصف صباحًا حتى استشهاده في الثامنة ليلاً.

الأخوات الثلاثة أمام النصب التذكاري للشهداء

حفيدهم يشبهه

تكمل  الأخت الثانية “ عنيات” أنها تحرص على زيارة قبر أخيها منذ الحادث حتى بعد زواجها مع أخواتها الاثنين بالقدوم من مسكنهم الآن بمحافظة الدقهلية، منبهةً أن من الأمور التي ترسم البسمة على وجوههم هي قيام أخيهم الكبير بتسمية ابنه على اسم الشهيد" فاروق" كما أن حفيد أخيها وجدي "محمد" يشبهه إلى حد كبير في الشكل فيفرحوا لرؤيته مرتين.

أخدنا حقنا 

يواصل الأخ الثالث “سمير” أن أخيه الشهيد فاروق كان جميلاً في الشكل ومجتهدًا في الدراسة، وأنه نظرًا لصغر سنه وقتها لا يتذكره بشكل كبير، لكنه يشعر بفرحة عامرة بمجرد أن يأتى لزيارة قبرة وقراءة الفاتحة له مع أخواته، ورؤيته اسمه على النصب التذكاري مع باقي الأطفال الشهداء، إضافة إلى زيارة المتحف والتقاط صور بجوار صورته ومقتنياته، منوهًا: “ نارنا هديت لما أخدنا حقنا في حرب أكتوبر 1973م".

يوسف عبده، شاهد عيان على مذبحة بحر البقر


المجتمع تكاتف

يختتم  يوسف عبده، شاهد عيان على مذبحة بحر البقر ومتطوع بإقامة حفلتين كل عام لتخليد ذكرى المجزرة بمقر القرية والمدينة معًا أن إحياء الذكرى ضروري فهي تمثل جزءًا مهمًا من الوحدة الوطنية التي ينبغي أن تعلم عنها الأجيال الحالية والقادمة في واحدة من أبشع الجرائم ضد أطفال عزل من أجل كسر الإرادة المصرية، ومؤكدًا على أن تكاتف الأهالي ساهم كثيرًا في إنقاذ الجرحي بنقلهم سريعًا إلى مستشفى مدينة الحسينية والتي تبعد في المسافة عن المدرسة بحوالي 20 كيلو، وهذه الحادثة لن تنسى أبدًا.