يعتبر فن "الموزاييك" من الفنون القديمة التى عرفتها الحضارات الإنسانية منذ أن بدأ الإنسان يعتنى بتجميل ما حوله إلا أن هذا الفن الجميل لم يتبلور بشكل كامل وتتحد معالمه فقط مع الدولتين الساسانية والهيلينية ومن وقتها والعالم يعرفه بهذا الاسم وهو "الموزاييك" وهى كلمة ايطالية من أصل لاتينى.
موزاييك تقابلها فى اللغة العربية كلمة فسيفساء، ونحن نتداول الكلمتين معا فى حين نريد الإشارة إلى هذا الفن، وإن كانت كلمة فسيفساء العربية هى الأفضل فى الدلالة على فن يقوم بالأساس على تجميع قطع حجرية أو خزفية أو زجاجية صغيرة تعطى فى النهاية الشكل المطلوب فى صورة متفردة وبديعة.
وقد برعت المدرسة البيزنطية فى تعميق فن (الموزاييك) بالأسلوب التعبيرى الرمزى، وبرع فنانونها فى استخدامه فى تجميل الكنائس بخلفيات ذهبية وتقسيمات غاية فى إبداع التصميم فى حين اتجهت المدرسة الرومانسية إلى الأسلوب الأكاديمى وذلك لما يتمتع به روادها من مهارة ودقة فى صياغة وصناعة خاماتها الزجاجية المطبوخة، والحصول على درجات لونية شديدة التقارب بعضها البعض، لدرجة أن المشاهد لهذه اللوحات الفنية لا يمكنه التفرقة بينها وبين اللوحات الزيتية وتوجد هذه الأعمال الفنية الرائعة على جدران مبانى كنيسة الفاتيكان بروما وأماكن أخرى متفرقة فى ايطاليا.
ولاشك فى أن فن (الفسيفاء) الإسلامى هو الأكثر تفردا وتميزا من بين كل فنون الموازييك الأخرى، حيث يعتبر وحدة متميزة بذاتها رغم ما فيه من تنوع شديد الجمال والخصوصية، فعلى امتداد (14) قرنا من الانتشار فى ربوع المعمورة وبتحقيق الاتصال والامتداد والاتساع، لعب الفن الإسلامى دورا مهماً فى التأثير على الحضارات التى جاءت بعده ولا يزال تأثيره شامخا وموجودا حتى الآن، ولا يزال يفيض على حضارتنا المعاصرة، فالآثار الباقية من العصر الإسلامى الوسيط المتقدم تعطينا صورة بديعة على شكل الحياة ووجوه الإبداع فى ذلك العصر والذى تمثل بأفضل صورة فى الزخارف الهندسية التى استخدمت بدقة فى المساجد والأبنية التى بقيت لنا منذ ها العصر واستمر استخدامها حتى أثناء العصر الإسلامى الوسيط المتأخر أى فى الفترة الممتدة بين نصف القرن الثامن وحتى القرن الخامس عشر الميلادى.
وقد استخدم الفنان المسلم منهجا جديدا فى فن الفسيفساء هو الذى حقق له تميزه واختلافه عن الفنون الأخرى وتجلى هذا الاختلاف فى أبهى صورة فى تقطيع الفسيفساء بأشكال هندسية خماسية وسداسية وغيرها من الأشكار التى تنتمى للتصميم العام بألوانه المتباينة.
وشهدت مصر أروع أشكال الإبداع والابتكار فى فن الفسيفساء وخاصة فى الأعمال الفنية التى يتم الاستعانة بها بالأنماط الهندسية ومنها (المشكاة) ذات الفسيفساء الرخامية الملونة والتى تدل على انفراد فن الفسيفساء الإسلامى بخصوصية غاية فى الاختلاف والتفرد.