الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف تم التمهيد لزرع اليهود في فلسطين وفرض نفوذهم فيها.. علي جمعة يوضح

كيف تم التمهيد لزرع
كيف تم التمهيد لزرع اليهود في فلسطين

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، لإنه في أوقات كثيرة نحتاج إلى فهم الماضي لبناء منهجية التعامل في الحاضر، فلابد أن نفهم كيف تكون النظام العالمي الجديد ؟ وعلى أي أساس تكون ؟ ونعرف كيف تم التمهيد لزرع اليهود، بل وتحكمها في فلسطين، وفرض نفوذها في المنطقة ؟

 

وأضاف علي جمعة خلال صفحته الرسمية على فيس بوك، أنها حلقات متتالية من التاريخ الأسود، فمنذ مائتي عام خرج رجل إيطالي اسمه «أنزلوتي» كتب كتابًا في القانون الدولي، وكان من مؤسسي ذلك العلم، قال في كتابه ذلك إن مصادر القانون الدولي ثلاثة : أولا : التراث الإغريقي الوثني، وما خرج في زمنه من فلسفة أرسطو. ثانيا : القيم المسيحية. ثالثا : ذلك الشعور الذي يجمعنا جميعا ضد ما يسمى بالإسلام والمسلمين.

فاعتبار الاجتماع الغربي على عداء الإسلام والمسلمين أحد مصادر القانون الدولي، والتي على أساسه سيتم سن القوانين التي تقوم وتحمي هذا المصدر، والكتاب مطبوع ومعروف، ومرت عليه سنوات طويلة، وعرفه كثير من العرب والمسلمين ممن اشتغلوا بالقانون الدولي، إلا أنهم لا يشيرون إليه غير إشارة باهتة ضعيفة، حيث يذكرون في حديثهم أن القانون الدولي كان في نشأته له توجهات دينية ثم انفصل عنها، ويقصدون بتلك التوجهات الدينية ما ذكره «أنزلوتي» في كتابه. ويبدو أن بعض الناس في الغرب لا يزالون يرجعون إلى هذا الفكر القديم .

ثم في عام 1864 اجتمعوا في جنيف في سويسرا وأصدروا ما يسمى "قانون جنيف" سنة 1864. هنالك أيضاً "قانون لاهاي" أو ما يسمى "قانون الحرب" والذي يعود إلى إعلان بيترسبورغ لسنة 1868 والاتفاقيات التي تلتها والتي تسري على الدول أثناء الحرب.

ثم كان لإعلان الرئيس الأمريكي (ويلسون) لمبادئه الأربعة عشر في أوائل عام 1918 دوي كبير في كافة أنحاء العالم، إذ استطاعت تلك المبادئ أن تجذب انتباه الشعوب بإعلانها حق الشعوب الغربية في تقرير مصيرها بنفسها، ودعوتها لقيام عصبة من الدول الغربية والاستعمارية، ومن المفترض أن تعمل على الحل السلمي للمنازعات التي قد تنشب بينها مستقبلاً، وذلك لتفادي نشوب حرب عامية أخرى بعد الحرب العالمية الأولى.

وكان من أهم المواثيق التي وقعت لنزع السلاح والكف عن سياسة الحروب (ميثاق باريس) أو (ميثاق بريان-كلوج) الذي وقعته في باريس في أغسطس 1928 الدول الست الكبرى في ذلك الوقت، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان، ثم انضمت إليها بعد ذلك جميع دول العالم تقريبا بما في ذلك الاتحاد السوفيتي، وهدف ذلك الميثاق إلى نبذ الحرب كأداة من أدوات السياسة القومية لأية دولة من الدول الموقعة عليه في علاقتها بالدول الأخرى، أو بمعنى آخر كان دعوة لحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وتحريم الالتجاء إلى الحرب بصفة قاطعة.

ثم بدأت يظهر العدوان الفاشي بأوروبا والفاشية ليست إلا تعبئة تعصبية للرأي العام على أساس سيادة الجنس والوطنية المتطرفة، ولكنها في واقعها تحالف القوى الرجعية في الدولة المتمثلة في الرأسمالية الاحتكارية المستغلة والإقطاع والمغامرين من قيادة الجيش للسيطرة الكاملة على الحكم، وتوجيه سياسية الدولة لصالح هذه القوى، أي إلى الحروب التوسعية.

ومن هنا كانت الحرب العالمية الثانية في حقيقتها حربا تحريرية عامة، قادها الرأي العام العالمي، وخاضتها الشعوب عن اقتناع بأن هزيمة الفاشية بما تمثله إنما هي بداية الطريق الحقيقي إلى الخلاص، وإلى قيام عالم أفضل متحرر من ربقة الاحتكارات والاستعمار، يحقق لكل فرد في كل مكان حياة إنسانية كريمة واستقرارًا وأمنًا وسلامًا دائمًا.

وقامت الأمم المتحدة عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية،و حدد ميثاقها خطوطا وقيما ومبادئ واضحة للمجتمع الدولي الجديد ومستقبل الإنسانية التزمت بها الشعوب، ووضعتها فوق مستوى الخلافات المذهبية والقومية، إيمانًا منها بضرورتها لضمان الرفاهية المشتركة للجميع وتحقيق السلام الدائم المنشود.

وكانت خلاصة أهم المبادئ التي أعلنها ميثاق الأمم المتحدة على لسان الشعوب ما يلي:

1) مبدأ المسئولية الجماعية : نحو إنقاذ الأجيال من ويلات الحرب أيا كان مصدرها.

2) مبدأ المسئولية الجماعية : نحو توفير العمالة الكاملة والحياة الكريمة لكل فرد من أفراد الجنس البشري نساء ورجالاً حتى لا تستغل البطالة لنشر الحق والوقيعة بين الشعوب وإعلان حرب جديدة.

3) احترام حقوق الإنسان الأساسية : بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، ولا تفرقة بين الرجال والنساء في العالم أجمع.

4) مبدأ المساواة في السيادة بين الدول كبيرها وصغيرها : وحق كافة الشعوب في تقرير مصيرها بحرية كاملة.

فهذه هي الأمم المتحدة، والتي صدر عنها بعد ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، وكان من بين ما نص عليه أن لكل إنسان أن يستعمل الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان بغير تمييز وفي ذلك بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين، لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والاعتقاد، ولكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير عنه ويتضمن ذلك الحق في البحث عن الأنباء والآراء ومعرفتها ونشرها بكل وسائل النشر وبغير تقيد بالحدود الجغرافية.

كل ذلك ويبدو أن حقوق الإنسان المسلم لم تكن في الحسبان، بل إن الحديث عن الإنسان الغربي، ففي السنة التي كان فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هي نفس السنة التي أعلن فيها الكيان الصهيوني نفسه دولة، واعترفت تلك الدول التي تعد نفسها حامية لحقوق الإنسان وللنظام العالمي الجديد بتلك الدولة الاستعمارية الفاشية.

في نفس الوقت الذي ينكرون فيه الحروب والاستعمار يقرون اغتصاب أرض من أصحابها، بنفس المبررات وبطريقة العقوبات، وحماية المصالح يتدخلون لتدمير بلاد المسلمين، لتدمير أفغانستان والعراق، ولا ندري الدور على من في المستقبل القريب ؟

الأمم المتحدة التي أصدرت قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين : دولة يهودية على 54%، من مساحة فلسطين، وهم لا يمثلوا إلا لمن يملكون إلا 5% فقط منها، وحتى هذه المساحة البسيطة نصف سكانها منعرب، ودولة عربية على مساحة 46% لمن يملكون 95% منها ولا يوجد بين سكانها يهود.

في نهاية مارس 1948، قبل أن يبدأ الغزو الإسرائيلي، تمكن اليهود من طرد 000ر50 لاجئ من ديارهم واقترفوا مذبحة في سعسع قتل فيها ستون شخصاً. بعد ذلك مباشرة، في أوائل إبريل 1948.

بدأ بن جوريون الإعلان عن خطته لغزو فلسطين التي أعدها قبل 4 سنوات، ومرت بأربعة تعديلات آخرها خطة «دالت» وأصدر أوامره لجيش قوامه 000ر65 جندي صهيوني مدرب، ضباطه خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية، بتدمير المجتمع العربي في فلسطين، بأهله ومؤسساته وقراه ومدنه، وباختصار إزالة كل آثار المكان الإنسانية والعمرانية.

تقضي الخطة دالت، التي نشرها بالعربية المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي، ويشرحها المؤلف، بتدمير القرى وطرد السكان إلى خارج «الدولة» (لم تكن دولة إسرائيل قد أعلنت بعد ومع ذلك ذكرت بالاسم)، والقضاء على أية مقاومة مسلحة والإبقاء على قوات في القرى المحتلة (لمنع عودة أهلها). حددت الخطة بالتفصيل القرى التي ستحتل في كل منطقة ومراكز الشرطة والمؤسسات العامة والمواصلات وغيرها•.

ومن يقف أمام هذا كله؟ الجيش البريطاني، الذي يلزمه صك الانتداب بحماية الأهالي ورعايتهم إلى أن تقوم دولتهم في كل فلسطين، حزم حقائبه وبدأ في الانسحاب من فلسطين لكي ينتهي منه في 15/5/1948. لم يتحرك هذا الجيش لحماية الأهالي حتى عندما استغاث به الأهالي أثناء مذبحة دير ياسين، التي حدثت على بعد 5 كم من مكتب المندوب السامي البريطاني