الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خيار التقارب المصري الإيرانى!

طرح في غاية التعقد، هذا الذي عنونت به مقالى، لكن نجاحات مصر الاستراتيجية الكبيرة في عدة ميادين، تدفعنى إلى هذا السيناريو غير التقليدى، الذي يحقق لمصر إختراقات كبيرة في سياقات عديدة.

لماذا الآن؟!

١. مصر نجحت خلال الفترة الأخيرة في تحقيق إنجازات غير اعتيادية مع قوى معادية، وحيديتها وحولت بيئات خطيرة إلى مناطق صديقة أو على الأقل مقبولة أو محايدة، ومنها نموذج طرابلس وغزة وقطر وتركيا، وكل هذه المناطق ذات سيطرة إخوانية، ومعروف موقف القاهرة من هذا التنظيم الإرهابي، لكننا ببعض البرجماتية توصلنا لحلول وسط في ظروف ساعدتنا وحققنا من خلالها مصالحنا، حتى أن تركيا وقطر هما اللذان يلهثان لتنفيذ الشروط المصرية للتقارب مع مصر، بمتابعة أمريكية.

٣. حققت مصر تقاربا كبيرا غير مرتب له بشكل أو بآخر مع الأمريكان من خلال الدور الكبير، الذي تلعبه مصر الآن لتحقيق التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث تريد واشنطن شرق أوسط هادئ، رغم إن تل أبيب لها رأى آخر، وهذا واضح في تصريحات نتنياهو الأخيرة بالذات في التقاطاعات الإيرانية، التى تختلف الرؤيتين الإسرائيلية والأمريكية فيها بشكل ما، وبالتالى تقدر واشنطن الرؤية والجهود المصرية، وجنبت خلافاتها مع القاهرة ذات الأبعاد الحقوقية والسياسية بشكل واضح، وكان هذا مكسب كبير في حد ذاته للقاهرة، علينا أن نبنى عليه.

٣. العلاقات المصرية الإسرائيلية أصبحت أكثر سخونة بشكل غير اعتيادى بالمرة، بندية بل في بعض الأحيان يتأرجح الميزان لصالح مصر، وهذا تغير مفيد جدا في عدة ملفات حيوية مباشرة وغير مباشرة، نترقبها عن كثب.

٤. دون مزايدات وهروب من الواقع، فإن أكثر الرابحين من حرب غزة القصيرة الأخيرة، كانت مصر وإيران بالإضافة لقوى من إسرائيل والفلسطينيين، فالقاهرة عادت للمشهد الإقليمى بقوة من زاوية قديمة جديدة، بدعم دولى كبير، منح القاهرة قوة غير تقليدية، وأثبت صحة وجهة نظرها بإن كل أزمات الشرق الأوسط أساسها الصراع العربي الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى، كانت إيران رابحة من خلال التكنولوجيا العسكرية التى استخدمتها الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل، بخلاف التمويلات التى تصلهم بأشكال مختلفة، حتى عبر إسرائيل، وأحيانا ترصد، وأحيان أكبر تمر بشكل أو آخر، بالإضافة إلى أن حرب غزة وتطوراتها غطت على تطورات عديدة في الملف النووى الإيرانى، كان من المهم بالنسبة لطهران أن يتم التمويه عليها.

٥. بعض الدول الخليجية بعد تطورات غزة والموقف المصري والأمريكى والدولى منها، إتخذت ردود فعل تحسب لها وعليها، وبالتالى هناك مستجدات في المنطقة الخليجية ترصد خلال الفترة القليلة المقبلة، خاصة إن الإدارة الأمريكية تتحدث لأول مرة عن تقاربات من الممكن أن تتحقق بين الرياض وطهران، وهذا بالطبع يأتى بعد المبادرة الصينية للتقارب بين إيران والخليج عموما، والسعودية خصوصا.

٦. أجواء النكاية بين الصين وأمريكا وفي الخلفية روسيا والأوربيين، تتدخل بشكل كبير في رسم الصورة الجديدة للشرق الأوسط التقليدى والأوسع، وبالتالى علينا الاستفادة من هذه الأجواء المختلفة وغير التقليدية.

ماذا عن الخليج وإسرائيل؟!

بعد رصد المشاهد المختلفة بزواياها العامة، سنجد إن أى تقارب مصري إيرانى سيكون مرصودا من الخليجيين والإسرائيليين، لكن بالنسبة للخليجيين سيكون الأمر مختلفا عما ذي قبل، بسبب الموقف الأمريكى المستجد في هذا الإطار، وسيكون لتقليل الدور الاستفزازي للحوثيين في اليمن والسعودية، أثرا كبيرا في إقناع الرياض بهذا التقارب خاصة لو كان بدعم أمريكى.

فيما ستعترض تل أبيب بشكل كبير حتى لو تغير نتنياهو، لكننا ردنا جاهز، فإسرائيل تقول مثلا عن أزمة التحدى المائي، إنها تجمعها علاقات جيدة بمصر وإثيوبيا، وتتمنى حل الأزمة بين الدولتين بشكل مقبول من الطرفين، وسيكون هذا رد مصر أيضا في حالة التقارب المصري الإيرانى لو اعترضت إسرائيل، خاصة لأنها تعتبر البرنامج النووى الإيرانى تهديد وجودى، ونحن أيضا نعتبر التحديات الإقليمية تهديد وجودى، بخلاف أن العلاقات الإسرائيلية جيدة جدا مع عمان رغم تحالفها مع إيران.

الموقف الأوربي

بقي أن نتعامل مع الموقف الأوربي، الذي يختلف بين محايد وداعم ومعادى لإيران، وبالتالى سيكون من الدهاء التعامل مع كل هذه القوى وكل هذه المواقف ، على الطريقة الروسية والتركية وحتى الكويتية والقطرية والعراقية والعمانية.

رد الفعل الصينى

سنكتسب دعما كبيرا من الصين في هذا الإطار، بالذات بعد توقيع الإتفاقات الاستراتيجية بين طهران وبكين، من الممكن أن يؤثر هذا على الموقف الصينى في ملفات أخرى، ومنها الملف الإفريقي، وملف طريق الحرير لحماية قناة السويس.


هل ننتظر خيرا من الإيرانيين؟!

هذا سؤال مهم طرحه، وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نحلل المشهد السياسي الإيرانى الداخلى بشكل ما، خاصة إن طهران تترقب انتخابات رئاسية مصيرية من شأنها تحديد مستقبل الحرس الثورى وقوى الملالى على المنظورين القريب والبعيد الذي يتعرض لضربات إسرائيلية مميتة، وبالتالى من الممكن تكوين موقف إيرانى مختلف عما ذى قبل من قضايا كانت تستفز القاهرة لتحقيق تقارب ما مع القاهرة، سرى أو علنى، مباشر أو غير مباشر، ومنها مثلا شارع قاتل الزعيم الشهيد السادات، وأمن الخليج، الذي يحتاج من الدولة المصرية تطوير رؤية بشكل أو أخر بعد موجة التطبيع الخليجية الإسرائيلية الحالية، بخلاف الملفات الاعتيادية من تصدير الثورة والتشييع، خاصة إن هناك حقائق ومبالغات يجب مراجعتها في هذا الشأن، فإيران خطر كبير على الأمن الاستراتيجي المصري، كما هى إسرائيل وتركيا، وحتى من يروجون إنهم أشقاء، وأفعالهم تجاوزت أفعال الأعداء، لكن من المهم التقارب المصري الإيرانى، وأتصور إنه سيكون سريا في البداية، وغير مباشر في أحيان أخرى عبر قنوات عراقية أو صينية أو روسية أو حتى سورية، لكن من المهم تحقيق أى تقارب للعب بهذه الورقة في أى وقت نحتاجه.

ما هو المكسب المصري رغم خطورة الخطوة عامة؟!

بالتأكيد، ستكون هناك أصوات كثيرة من الداخل والخارج، ستعارض هذا الطرح، الذي أراه مهما وفي وقته، إنطلاقا من المتغيرات التى استعرضناها، ومنها الموقف الأمريكى بشكل أو بآخر، لكن سيقول المختلفون مع طرحى، أن الإيرانيين عدائيون، وسيضر التقارب معهم بالعديد من دوائر علاقاتنا، وبالذات السعودية وإسرائيل وبعض الدول الأوربية.

لكن في المقابل هذا مردود عليه، بإن هذه التصورات كانت مناسبة مع إدارة ترامب وليست إدارة بايدن، وأيضا كانت مناسبة قبل الاختراقات الاستراتيجية التى حققتها مصر في عدة ميادين بشكل علنى وغير علنى، وبالتالى الأجواء مختلفة، ولن تتحرك القاهرة أى تحرك إلا بالتنسيق مع كل القوى الشقيقة والحليفة والداعمة، وعنواننا هو تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا مطلب أمريكى، وبالتالى سيحقق هذا تقارب كبير بين القاهرة والقوى الدولية، وبالذات أمريكا والصين وروسيا وأوربا، وسنكون وقتها رقما أساسيا في المعادلة الإقليمية والدولية، ولا يمكن تغييبنا عن أى ملف، وسنحيد قوى الشر التى تدعمها إيران بشكل ما.

وسنكون في حالة متابعة عن كثب لأى تأثر سلبي في أية دائرة لإصلاحه بسرعة، لكن إجمالا المكاسب ستكون أكثر من الخسائر، والأمر مطروح للنقاش لتعقده بالتأكيد، لكن علينا أن نطرق الأبواب ونقترح الأفكار ونرسم السيناريوهات، فهذا دورنا، وللدولة القرار.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط