قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لماذا جعل الإسلام العبادة في الهرْج كثواب الهجرة ؟

العبادة في الهرج
العبادة في الهرج

ورد حديث صحيح يرشدنا إلى فضل العبادة في الهَرْج -وقت الفتن- وأن أجرها يكون هجرة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فعن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ » رواه مسلم ( 2948).

قال النووي رحمه الله: «المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد».

ويبينُ سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث فضلَ العبادة في أوقات الغفلةِ والفتنِ وانتشارِ المعاصي، التي يغلبُ فيها الانشغالُ بالدنيا، والبحثُ عن المتعة والسعادة بعيدًا عن منهج الله سبحانه.


وجعل المُلتجِئ إلى الله عز وجل، والمُستعصِم بحبله حين انصرافِ كثيرٍ من الناس إلى الشهوات والشبهات، بمثابة المهاجر من ظلمة الفتن إلى النور الذي جاء به سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

المقصود بالهَرْج

الهَرْج: الاختلاط؛ هرج الناس يَهْرِجون -بالكسر- هَرْجًا من الاختلاط؛ أي اختلطوا، وأصل الهَرْج: الكثرة في المشي والاتساع، والهَرْج: الفتنة في آخر الزمان، والهَرْج: شدة القتل وكثرته؛ وفي الحديث الصحيح: «بين يَدَيِ الساعة هَرْج»، أي: قتال واختلاط.

وفي زمن الفتن والمحن وإعجاب كل رأي برأيه، والدنيا المؤثرة، تتضاعف ثواب الطاعة وتصل إلى أجر الهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن يعبد الله في هذا الوقت ويمسك على دينه ويتخلى عن حظوظ الدنيا، فإنه كمن يمسك على جمر من نار، لذا له أجر من هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

شرح الحديث

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم أن العبادة في زمن الهَرْج والفتنة والغفلة تعدِل أجر وثواب الهجرة، والهجرة -كما هو معلوم- أعلى الطاعات منزلة عند الله عز وجل، وازدياد الفتن وشيوعها دليلٌ على قُرب الساعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بين يَدَيِ الساعةِ أيامًا، يُرفَعُ فيها العلمُ، وينزلُ فيها الجهلُ، ويَكثُرُ فيها الهَرْجُ -والهَرْجُ القتلُ-» متفق عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يتقارب الزمان، ويُقْبَضُ العِلمُ، وتظهر الفتنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويَكثُرُ الهَرْجُ»، قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: «القتل» متفق عليه.

يقول المُنَاوِي في فيض القدير: "قوله صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهَرْج» أي: وقت الفتن واختلاط الأمور، «كهجرة إلي»: في كثرة الثواب، أو يقال: المهاجر في الأول كان قليلاً؛ لعدم تمكُّن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهَرْج قليل.

فالناس زمن الفتن يتَّبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين؛ فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم مَن يتمسَّك بدينِه ويعبد ربَّه، ويتَّبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة مَن هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله.

والمسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وفي السراء والضراء، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه، ولا تشغله عن عبادته الشواغل، ولا تصرفه عن حبه الصوارف، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله ، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه.