الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ٣٠ يونيو.. الاصطفاف الوطني

في تلك المواقف الحاسمة، تظهر أصالة المعدن من عدمه، وفي تلك اللحظات الحاسمة تفرز النفوس الصادقة من تلك الكاذبة، وفي الأيام المظلمة ينتظر الناس بزوغ ضوء القمر، وفي الأوقات العصيبة تنتظر الأمة البطل الذي ينقذها من مصير أسود.

تظل هناك أحداث محفورة في الذاكرة، تحرص المخيلة على استدعائها بين الحين والآخر يسترشد بها الإنسان، كما يحرص على أن ينقلها حيّة كاملة بدون أدنى نقصان إلى الأجيال التالية: جيل بعد جيل، وذلك لما لهذه الأحداث من أهمية، وما لها من أثر عام على حياة الأشخاص مرة وفي حياة الدولة مرة أخرى.
يشعر الإنسان الذي شارك في مثل هذه الأحداث الفخر، خاصة لو ارتضى عن هذا الدور الذي قام به، وكان لهذا الدور أهمية في جانب ما في هذا الحدث، الذي تشارك فيه مع المؤمنين به في تنفيذه، وهو ما نزعم أننا قد قمنا به وأسهمنا بسهم، راضين عنه، في أهم حدث في تاريخ مصر الحديثة وهو ثورة الثلاثين من يونيو التي آمل، مستقبلا، أن أستعرض كل الأحداث التي شاركنا فيها منذ أن خرج بعض من شباب مصر يوم الخامس والعشرين من يناير، وتوقعنا بأن تشهد الجمعة ٢٨ من يناير أخطر الأحداث، وما كان ذلك إلا لقراءتنا للمشهد، وتوقعنا قفز جماعة الإخوان المحظورة، آنذاك، على هذا الحراك واختطافه مستقبلا من صانعيه، وهو ما تم دون أدنى تغيير لما توقعناه.
ففي اللحظة التي كان فيها الغالبية ممن باعوا أنفسهم لمن ظنوا أن الأيام قادمة لهم، كان موقفنا ثابتا، فرفضنا كل هذا العبث، وقلنا نصا: إن هناك أسبابا تدعو للثورة، ولكن ليس من بينها سبب واحد أذاعته وأشاعته جماعة الإخوان الإرهابية وذيولها، ليس في مصر فحسب بل في العالم كله، كما رفضنا هذه الفوضى العارمة التي عملت الجماعة على نشرها في المجتمع، كما أكدنا على أن الجماعة تسعى إلى إرهاب الشعب المصري مرة وخداعه باسم الدين مرة أخرى، وكان موقفنا الرافض لها واضحا، وصوتنا عاليا، وكانت نتائجه واضحة، حيث لم ينجح مرشحهم مرسي في انتخابات المصريين بالنمسا، وجاء عنوان مقال لي بعيْد فرز الأصوات بالسفارة المصرية بالنمسا التي كنتُ مراقبا إعلاميا فيها جاء العنوان: "حتى إشعار آخر ... شفيق رئيسا لمصريي النمسا"، ذلك المقال الذي جعلني هدفا لسهام أنصار الجماعة الإرهابية في النمسا والخارج على وجه العموم.
ولكن جاءت الرياح بغير ما تشتهي سفننا، فلقد نجح مرسي بفارق ضئيل، ورب ضارة نافعة، واعتلى مقاليد الحكم في مصر، وهنا، وإن كنا قد احترمنا نتائج الانتخابات التي شابها الشيء الكثير، لم يتزحزح موقفنا الرافض للجماعة الإرهابية وحكمها، فأخذنا منذ اليوم الأول موقف المراقب، الذي اتضح له سريعا صواب رؤيته السابقة، فتحولنا من المراقب إلى المعارض، رغم محاولات الجماعة وشخصيات نافذة فيها استقطابنا، حتى انتقلنا إلى موقف المهاجم لحكم هذا الفصيل بشراسة هائلة، تمثل موقفنا في مقالات متعددة رافضة ومهاجمة للجماعة، كما وقفنا في وجه أنصارها بالنمسا، هذا الذي أدى إلى تقديم بلاغات ضدنا، لم تنظر فيها المحاكم النمساوية، بعدما تأكدت من عدم صدق مبلغيها.

وفي اللحظة التي بدأ فيها الشعب المصري العظيم بالتحرك لعزل مرسي وجماعته كنا نحن، المصريين بالخارج، قد خطونا خطوات متقدمة في تهيئة الرأي العام الأوروبي والعالمي لتلك الثورة المصرية الرائعة، وذلك من خلال الوقفات الرافضة لحكم الجماعة الإرهابية التي بدأت في بادئ الأمر بأعداد محدودة، ما لبثت أن أصبحت أكبر وأضخم المظاهرات لأية جالية في كل دول العالم المختلفة، وهو ما جذب الرأي العام العالمي في صف ثورة الشعب المصري العظيم في الثلاثين من يونيو، وفي يوم التاسع والعشرين من يونيه، استبق مصريو الخارج أشقاءهم في الداخل، وخرجوا في كل الميادين العالمية حاملين أعلام مصر وقائد الجيش المصري المشير، آنذاك، عبد الفتاح السيسي أيقونة ورمز ثورة الثلاثين من يونيو، وكانت صيحاتنا المدوية المطالبة المعزول محمد مرسي بالرحيل قد أصمت آذان المجتمع الدولي وشعوب العالم المختلفة، في هذه الأثناء، كانت أعيننا على القاهرة ومحافظات مصر المختلفة من خلال متابعة دقيقة منا لوسائل الإعلام المصرية التي لعبت دورا حاسما في هذا الحدث التاريخي الجلل.

وخرج الشعب، وقامت على حمايته وحماية ثورته المجيدة القوات المسلحة المصرية البطلة، وتم عزل مرسي، وكانت المواجهة، تلك المواجهة التي لم تكن داخل القطر المصري فحسب، بل كانت هناك على الشاطئ الآخر من المتوسط معركة يخوضها أبناء مصر الشرفاء ضد أنصار الإخوان من كل دول العالم، وكان علينا أن تنتصر على هؤلاء جميعا، ننتصر ونحن، الأفراد وجمعيات المجتمع المدني المصري في الخارج المحدودة ماديا، ولذلك يقوم هؤلاء الأفراد بتمويل تلك الفعاليات المناوئة والمناهضة للدعاية الإخوانية المغرضة والتي كان يقوم على دعمها ماديا دول وجماعات، ولذلك كانت الأدوات والمطبوعات واللافتات بالإضافة لأبواق الدعاية هائلة، ولم يكن يمكن لنا أن ننتصر في هذه المواجهات والمعارك السياسية، في ظل هذا التباين الهائل في الدعم، إلا بتلك القوة الهائلة التي يمنحنا إياها قناعتنا بقضية الوطن، وإيماننا بضرورة حماية مصر والحفاظ على البلد الذي علّم العالم ونشر نوره في ربوع الدنيا، وقناعتنا بأن تخاذلنا هو العار ذاته في قضية وجود الوطن، هذا السلاح الإيماني بالوطن كان العامل الحاسم في النصر المبين لأبناء الجاليات المصرية في الخارج على تيار جارف يدعم الرجعية ويستميت لإعادة حكم الجماعة الإرهابية لمصر، التي هي المركز الذي لو سيطرت عليه لسيطرت على المنطقة كلها.

لقد كانت المعركة التي أعقبت نجاح ثورة الثلاثين من يونيو من أشرس المعارك التي خاضها أبناء الشعب المصري: في الداخل والخارج على السواء، فلقد استجمعت جماعة الإخوان الإرهابية كل قواها، واستدعت كل المخدوعين فيها، وتكالبت على مصر في الداخل من خلال عمليات إرهابية شهدها القاصي قبل الداني، وفي الخارج بتأليب الرأي العام العالمي ضد مصر، ونشر الأكاذيب حول الثورة المصرية، ولقد انضم إليهم في هذه المرحلة الحاسمة أفراد كنا نظن أنهم يعلون مصالح البلاد فوق كل شيء، وإن كان قد جذبوا لهم بعض الخونة، فإن الغالبية الساحقة من مصريي الخارج وقفت صفا واحدا مدافعين عن الثورة المصرية ومفندين الأكاذيب التي كانت تطلقها الجماعة الإرهابية، أما ردنا على شكاواهم المزعومة التي كانوا يقدمونها للمؤسسات والمنظمات الدولية، فواجهناها بنفس الشجاعة، وبقوة كبيرة، وتنظيم نفخر ونعتز به، وذلك حينما أعددنا الملفات المختلفة التي توثق عنف وإرهاب الجماعة جرائمها في حق الشعب المصري، وتقدمنا بها للمنظمات الدولية في الدول الأوربية والغربية عموما بعدما أقمنا الوقفات والمظاهرات المنددة بموقف بعض الدول، والرافضة لعودة الإخوان للمشهد، بعدما حاربوا الشعب المصري وأعملوا التقتيل والإرهاب في الكثير من ربوع مصر.

إننا في هذه الذكرى الثامنة لثورة يونيو المجيدة نتذكر هذا الدور الذي قامت به الجالية المصرية في الخارج والذي كنا جزء فاعلا فيه، نتذكر هذه الأيام الخالدة في كتاب الكفاح المصري وترتسم على شفاهنا ابتسامة رضا، وتلمع أعيننا تنظر في الأفق البعيد تسبق الزمن لترى تلك المشروعات القومية العملاقة التي يقوم عليها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، والتي هي الثمرة الكبرى لهذه الثورة العظيمة، ننظر في المستقبل لنرى هذه المشاريع وقد اكتملت، ليبدأ العمل في مشروعات عملاقة أخرى، تستكمل أهداف ثورة الثلاثين من يونيو التي ستظل أعظم وأضخم حدث شعبي مصري في التاريخ الحديث، تلك المشروعات التي ليس لها من هدف سوى وضع مصر بين دول العالم المتقدمة، تلك المكانة التي تستحقها مصر، والتي لن تتحقق إلا بسواعد أبنائها الوطنيين، الذين يضعون مصر ومكانتها صوب أعينهم، ولا يرضون عن رفعتها بديلا.
إن الاصطفاف الوطني هو أمر هام وحاسم في تحقيق أي نجاح أو تقدم، فلم تتحصل دولة من الدول على أية نتيجة إيجابية في أية قضية، ولم تحقق أمة أي نصر في أية معركة ما لم يكن هناك اصطفاف بل تلاحم بين كل أبناء مجتمعها، والتفاف أبناء الشعب حول قيادتها.

ولا شك أن ما تخوضه الآن مصر من معارك بناء دولة عصرية تجعلها خليقة بأن تحجز لنفسها مكانا بين دول العالم المتقدم، لم تكن تحقق فيها شيئا من تقدم ما لم يؤمن الشعب المصري بأهمية معارك البناء والتنمية التي خاضها الشعب خلف قيادته السياسية التي آمن بصدقها، كما اقتنع بقدرتها على إدارة تلك المعركة، ومن هنا قدّم شعبنا التضحيات الكبيرة في تلك المعارك وتحمل تبعات هذا البناء، مؤمناً أن الدول تبنى على أكتاف أبنائها، وأن التقدم والازدهار لا يمكن أن يتحققا إلا بالعمل والتضحية.

وكذلك لم تكن قواتنا المسلحة الباسلة، ولا شرطتنا الشجاعة لتحقق تلك الانتصارات على الخارجين عن القانون، ولا على هؤلاء الإرهابيين الأنجاس، الذين يسعون لتدنيس أرض مصر المقدسة، إلا وهناك دعم هائل يحيط بهم، وإلا لو كان هناك تقدير من أبناء الشعب المصري العظيم لتلك التضحيات التي يقدمها أبطال المؤسسة الأمنية المصرية الشجاعة، وإلا لو كان هناك تخليد لمن بذلوا من الدم الغالي وقدموا من الأرواح الطاهرة والنفوس الزكية.

إذاً الاصطفاف الوطني هو الحصن الحصين للوطن، الذي يحافظ عليه مرة، ويحقق له الانتصار أخرى، ويدفع للتقدم والازدهار ثالثة، كل هذا تحققه مصر خلال تلك الفترة التي تقلد الحكم فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سبع سنوات، هذا الذي يعني أن ما يتخذه الرئيس من قرارات يجد حاضنة شعبية كبيرة تتمثل في مباركة الشعب المصري لهذه القرارات، بالإضافة لقناعة هذه الحاضنة الشعبية وإيمان أفرادها بالرؤية "السيساوية" في خوض تلك المعارك المتنوعة الأهداف والمختلفة الأغراض والمتنوعة الأسلحة، إن تلك الحاضنة الشعبية كما دعمت تلك الرؤية الشاملة للرئيس عبد الفتاح السيسي فإنها في ذات الوقت قد حاصرت تلك الفئة الضالة التي ذهبت في غيها بعيدا، فناصرت الظالمين، وأيدت المجرمين، ودعمت الإرهابيين، وهو ما كان له أكبر الأثر في تحقيق تلك النتائج في المعارك التي يخوضها الشعب المصري بقيادة الرئيس السيسي.

وإذا كان الاصطفاف الوطني هو العامل الأول الحاسم فيما تحققه مصر من انتصارات مختلفة، فهذا يعني أن استمراره حتمية يفرضها الواقع وتتطلبها الأحداث، وتدعو لها التحديات التي تمر بالمنطقة وفي القلب منها مصر، ففي جارتنا الشرقية الشقيقة ليبيا هناك تحدٍّ هائل، نجحت مصر نجاحا باهرا في الوصول بها إلى مشارف بر الأمان، وتعمل على أن تنعم بكامل الأمان في القريب العاجل.

وفي شبه جزيرة سيناء انتصرت مصر بقيادة زعيمها البطل الذي أنقذها من مصير أسود على تحدًّ آخر لعب فيه الإرهابيون دور "الدوبلير" ليذوقوا الذل والهوان على أيد أبطال المؤسسة الأمنية المصرية: جيش مصر العظيم وشرطتها البطلة، ذلك بفضل الاصطفاف الوطني الذي يضرب فيه المصريون المثل.

وهناك في أعالي النيل مشكلة وجود، فمصر هبة النيل، فلولا أن منح الله سبحانه وتعالى هذه الأرض الطيبة ذلك الشريان ليحييها، ما قامت هنا دولة، ولا بُنِيَتْ هنا أعظم حضارات الدنيا على مر التاريخ. ومن ثم فإن أي عبث في هذا الشريان الحيوي يعد أخطر تلك القضايا وأكبر تلك الحروب التي تخوضها مصر في المرحلة الراهنة، بعد هذا التعنت الأثيوبي غير المبرر، والذي يضيِّق الخيارات أمام مصر، ما يجعل التصعيد يلوح في الأفق، هذا التصعيد الذي تلجأ إليه مصر بشكل تدريجي يعكس، في تصورنا، أن هناك خطة مصرية كاملة متكاملة للتعامل مع هذا الملف، الذي لم تر مصر مرة واحدة فيه قد خرجت عن ضبط النفس الذي تجسد واضحا خلال كل فترات التفاوض، والذي يعكس قدرات المفاوض المصري التي شهد بها العالم في كافة قضايا التحكيم، ولعل قضية تحكيم طابا مع العدو الإسرائيلي لخير شاهد على ذلك، ولعل أيضا انسحاب أثيوبيا وعدم توقيعها على المسودة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة البنك الدولي، لأقرب دليل على براعة الدبلوماسية المصرية التي كشفت سوأة الجانب الأثيوبي وأسقطت عنها آخر ورقات التوت ومازالت الدبلوماسية المصرية تلعب الدور الرئيسي حتى اللحظة في هذا الملف، في ذات الوقت التي قامت قواتنا المسلحة بمناورة عسكرية مع الجيش السوداني الشقيق والتي جاءت تحت شعار كاشف هو "حماة النيل"، وهو ما بعث رسالة قوية بل مدوية، ليس لأثيوبيا فقط، بل لكل من يدعمها وللعالم أجمع.

على الرغم من الموقف الشائك والبالغ الصعوبة في ملف سد النهضة إلا أن القليل من الشك في قدرة القيادة السياسية متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي على التعامل فيه بكل الحكمة وعظيم القدرة لم يتسرب إلى نفسي، وذلك إيمانا مني بأن مصر ستنتصر في تلك المعركة الوجودية، هذا الإيمان الذي هو مبني على قياسات لمعارك سابقة خاضتها مصر وكان النصر حليفها، هذا الإيمان الذي هو امتداد لإيماني بصواب الخطوات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي في الكثير من القضايا التي كانت عصية عن الحل.

الشيء الوحيد الذي أطالب به في هذه المعركة الوجودية هو استمرار ذلك الاصطفاف الوطني، واستمرار الدعم للرئيس السيسي والمؤسسات المصرية التي تستلهم قوتها من قوة أبناء الشعب المصري العظيم.

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط