الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صراع الفستان وبدلة الغوص!


تفاعل الناس على مواقع التواصل مع حادثة التنمر التي تعرضت لها إحدى الطالبات بجامعة طنطا حين وجهت لها بعض المراقبات أثناء أداء الطالبة للامتحان تعليقات غير مقبولة على ارتدائها فستاناً، ولا أدري لماذا تتدخل إحداهن في مثل هكذا جدل، لا سيما أن ذلك الفستان الذي كانت ترتديه تلك الفتاة لم يكن به ما يلفت الأنظار ما يدعو للتعليق عليه، ثم إن دور المراقب في الامتحان لا يمتد للتعليق على ملابس الطلاب، فالملبس يقع تحت مظلة الحرية الشخصية مهما كان، طالما لم يخالف القانون في خدش الحياء أو أن عليه من الشعارات ما يتعارض مع الذوق العام...

ثم إن فتح باب الجدل حول ملابس المرأة من فستان إلى حجاب أو خمار ونقاب في مجتمع مستنير كمجتمعنا المصري لن يكون مفيداً لأي من الأطراف المنحازين لكل نوع من هذه الملابس، ولا يجب فرض طريقة ملبس على الأخرى طالما التزم الجميع باحترام القانون واحترام الآخر، فالقناعات الشخصية لن يغيرها التنمر أو إقحام الدين في بعضها حيث يظل كل طرف متمسكاً بحججه التي يقتنع بها والمستندة على آراء معتبرة تروق له، وحتى إذا خالفت الآخرين، فالمجتمعات المتحضرة لا تتعامل مع المرء بملبسه وهيئته بقدر ما يهمها ما يصدر عنه من تصرفات مسؤولة واحترامه للقوانين التي تفصل بين الأفراد وما يقدمه المرء من قيمة مضافة لمجتمعه من عمل أو علم أو فكر مستنير

ولم تكد تهدأ تلك العاصفة الجدلية على مواقع التواصل الاجتماعي حتى ظهرت فتاة أخرى تنتحب في فيديو وتكيل الاتهامات لنظام الحياة في مصر الجميلة بأنه لا يشبه النظام في كندا الراقية، مع استخدام ألفاظ غير مهذبة للتعبير عن الغضب ورفض هذا التمييز العنصري من وجهة نظرها (البريئة)، حيث لم تستطع تلك الفتاة (طبقًا لروايتها) الذهاب مع صديقاتها إلى حوض السباحة بأحد الأندية مرتدية ما يشبه (بدلة غوص) حيث أن النظام في هذا النادي يُلزم من يريدون نزول أحواض السباحة بارتداء ملابس السباحة المعروفة، وهنا قامت الدنيا ولم تقعد من أنصار الاحتشام ولبس الخمار والنقاب والحجاب وأعادوا الهجوم على أنصار الفستان والسفور الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ولا بد أن أنصار الحشمة سينتصرون ويهزمون حزب الفستان والسفور الذين وجدوا تعاطفاً كبيراً بعد حادثة جامعة طنطا، وكأنها حرباً إلكترونية بين حزبين!

ويحار المرء في مثل هذه الاشتباكات وهذا الفراغ الإلكتروني الذي ترك كل ما يحيط بنا من أحداث مهمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي وانشغل بقضية الملبس ونزول أحواض السباحة، فلا معرض الكتاب الذي فتح أبوابه في يوم (الثلاثين من يونيو) بعد عودته من حظر كورونا العام الماضي يهم، ولا ما نواجهه من تحديات كبيرة يتفاعل معها العالم في الخارج يشغل الناس بهذا القدر

من المعروف أنه لا أحد يمكنه تغيير طريقة تفكير وتعديل سلوك شعب مواقع التواصل الاجتماعي ولا فرض أهمية موضوع على آخر وإنما هي حالة مزاجية تأخذ ببعض (التريندات) إلى المقدمة وتتكرر في منشورات العديد من مرتادي هذه المواقع، ما يدعو باحثي علم الاجتماع والسلوك إلى ضرورة البحث في هذا السلوك الإلكتروني الذي يعبر عن اهتمامات وأولويات هؤلاء في مجتمعنا وانسياق آخرين وراءهم بإعادة نشر نفس الموضوعات بنفس النصوص والصور على صفحاتهم!

لا شك في أن هناك أدوار إيجابية كبيرة لتلك المواقع والتأثير القوي على بعض القضايا ما يجعل لها وزن كبير فيما يجري من أحداث وفهم توجهات الرأي العام فيها، لكنها تستهلك كثيراً من الوقت أيضاً في أشياء لا طائل منها ولا فائدة 

وكلمة أخيرة في موضوع الفستان وملابس السباحة، لا بد للقانون أن يُطبق، وعلى الجميع احترامه وتَقبُل الآخر والتعايش معه حتى لو كان مختلفاً، فنحن أمة متحضرة صاحبة حضارة عظيمة، لا نختلف على أشياء تتعلق بالحرية الشخصية ونحترم القواعد والنظام الذي نحيا تحت مظلته في المنزل والشارع والنادي والمحال التجارية وأماكن العمل والدراسة وغيرها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط