الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مواجهة «الإحباط» بِالإبداع

شاركْتُ مؤخراً في أعمال "المؤتمر الدولي العاشر الذي نظَّمَتْهُ كلية "دار العلوم" بِجامعة المنيا – في مصر" خلال الفترة من 8-9- يونيو- 2021م – وكان من المُشارَكات التي حازت قدر كبير من اهتمام العُلماء المُشاركين – دِراسة الأُستاذة الدكتورة/ بتول الركابي* – من العراق بعنوان "الإحباط المُجتَمَعي وعلاجه في سورة الحج" – هذه الدراسة التي تنتمي إلى البحوث القُرآنية التحليلية – فضلاً عن كونها بحثاً نفسياً تربوياً – وتعود أهمية الدراسة التي قَدَّمَتْ تساؤلاً – حول مدى إمكانية تجاوز الشعور بالإحباط ...؟!؟ – بالدعوة إلى التَفَكُّر في آيات القرآن الكريم وتوظيف معانيها السامية لإيجاد الحلول المثالية لِمُشكِلاتنا المُعاصِرة ...!؟! – هذه الدراسة الهامَّة قَدَّمَت تصوُّراً لِمُعالجة ظاهرة "الإحباط المُجْتَمَعي" وكيفية التَغَلُّب على مشاعر الإحباط المؤلمة – بدايةً مِن وَصف حالة الإحباط وأسبابها وصولاً إلى أساليب علاجها والتَغَلُّب عليها بالعَمَل والإبداع مِن خلال التَفَكُّر في "سورة الحج"...!؟! – فالقرآن الكريم هو الخطاب الإلهي الموجَّه لِكافة الخَلَقْ – وقد تناولت كُل ما يعتري النفس البشرية مِن مشاعر مُتباينة ما بين "الحُزن والفرح – الخوف والأمن – الراحة والألم – السكينة والقلق – التشاؤم والتفاؤل" وكلها تتداخل فيما بين الشعور بالإحباط والأمل ...!؟!.

 ... أشارت الباحثة القديرة في دراستها المهمة إلى المُسَبِّبات التي تجعل الإنسان عُرْضة لِمحنة الإحباط – من بينها – سوء الظَن وانعدام الثقة بالآخرين، والتَمَنِّي على غير أساس مِنَ الواقع، بِمعنى التَطَلُّع إلى تحقيق أُمنيات دون امتلاك أدوات تحقيقها، وأيضاً – إتِصاف الإنسان بقسوة القلب واقتراف الظُلْم – فضلاً عن التَطَلُّع إلى ما في أيدي الغير من نِعمة، وتمني زوالها "الحقد والحسد والكراهية" – ناهيك عن الاستسلام والضعف في مواجهة الصِعاب والشدائد والابتلاءات ...!؟! – ولَمَّا كان "الإحباط" هو قرين القنوط واليأس – فقد دَعَتْ الباحِثة – إلى الإقبال على أعمال الخير وصنائِع المعروف بِهِمَّة ونشاط وتفاؤل – اعتِماداً على ما وَرَدَ في "سورة الحج" من أياتٍ تُخاطِب الروح والمشاعِر الإنسانية تبعث فيها الراحة والاطمئنان ...!؟!.

 ذَكَرَتْ الباحِثة في "دراسَتِها المُتَفَرِّدة" إلى الأساليب والوسائل التي تُجَنِّبُ الإنسان مشاعر الإحباط إنطلاقاً مِن النَظَر في معاني "سورة الحج" لِبَعْث التفاؤل والأمل في النَفْس الإنسانية – ومنها – تَجَدُّد الحياة واستمرارها – فقد جَرَتْ سُنَّة الله في الكون على التغيير والتبديل- فكما لا يبقى ليلٌ أو نهارٌ أبداً – كذلك تتغير أحوال حياة الإنسان مِن حالٍ إلى حالْ – فضلاً عَنْ إشاعة الأمل في النفوس والتركيز على مظاهر الجمال والإبداع في مخلوقات الله من حولنا ...!؟! – وتأتي أهمية الشعور بِالرِضا لِتُذَكِرُنا بنعمة الله علينا – فمشاعر الرِضا حينما تَغْمُر النفس تملؤها سعادةً وقناعةً ويقيناً بِما قَدَّرَ الله لنا في هذه الحياة – فتتوارى مشاعر اليأس والقنوط التي تؤدي إلى القعود وانعِدام القُدْرة على التفكير، فتُقْبِلُ النفس على العمل بالجِد والاجتهاد والمُثابرة ...!؟! – وتتساءل الباحِثة القديرة – في خاتمة دراستها القيِّمة فَتقول ..."هل بالإمكان تجاوز الشعور بالإحباط ...؟؟!... لتؤكد على أنَّهُ بإمكان أي فرد أُصيب بالإحباط – تجاوز تلك الحالة المؤلمة – إن هو أراد ذلك – وسعى سعياً جادَّاً للنجاة من الإحباط بالانهماك في العمل ليُحَقِّق ما يؤمِلَه مِن إبداع – فاللإبداع دوره المهم في حياة الأفراد والجماعات – فهو يُتيح للإنسان الفرصة لتطوير قُدراته وتنمية أفكاره – بِما يُحَقِّق النَفْع له ولغيره – فالإبداع هو أسلوب حياة يُمَكِّن الفرد من تحقيق الذات وتهيئة فُرص النجاح في التواصل مع الآخرين – فضلاً عن القُدْرة على مواجهة التحديات والعَقبات التي تَقِفُ حجر عَثْرة تَحولُ بين الإنسان وبين مايرْجوه مِن آمال وغايات في الحياة...!؟!.

 ... يرى المفكر الكبير "عباس العقاد"** رَحِمَهُ الله "... أن الإسلام ينظُر إلى الإنسان باعتباره مخلوقاً مسئولاً عن عمله – فإن عَمِلَ صالحاً فلنفسه، وإن أساء فعليها – يؤاخذه الله بذنبه هو، ولا يؤاخذه بذنب غيره. وعقيدة المُسلم في عموم الإنسانية أن الناس أُسرة واحِدة، خُلِقوا من ذكرٍ وأُنْثى، وأنَّ أكرمهم عند الله أتقاهُم، وأن أتقاهم لله أنفعهم لعباده – يتكاثرون بالأنساب ويتعارفون بالأعمال والأسباب – فإذا نُصِبَتْ لهم موازين الحِساب، فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا هُمْ يتساءلون ...!؟!... – فالإنسان الذي خلقه الله على صورَتِهِ في أحسن تقويم – ليكون صالِحاً وكريماً ورحيماً ومُبْدعاً وداعياً للخير – قد يترَدَّى إلى أسفل سافلين ...!؟! – ولا يزالُ في الحالين إنساناً مُكلَّفاً قابِلاً للنهوض بنفسه بعد عثرتهِ، قابِلاً للتوبة بعد خطيئته – لهذا كان في أحسن تقويم ولِهذا يَرْتَد إلى أسفل سافلين – فقوام التقويم الحَسَن الإيمان وعَمَل الصالِحات، بينما سبيل الارتِداد مطاوعة الهوى والغرور وطُغْيان القوة ومنع الخير والهلع من البلاء، والعَجَلة مع الضعف والإغراء ...!؟! – وقِصة "آدم" أبوالبشر "عليه السلام" مَثَلْ لِما يَعْرِضُ للإنسان من الخطيئة والنجاة ...!؟!...".

 ... بعد "قراءة مُتأنيَّة" لهذه الدراسة القيِّمة – والنظر فيما تميَّزت به من عُمق في "التأصيل والتحليل والوصف" وربط كل ذلك بما ورد في "سورة الحج" مِن آياتٍ تُعالج متغيرات النَفْس الإنسانية ومدارها بين مقومات التقوى وعوامل الفجور – وصولاً بها إلى أسباب الطمأنينة والرضا – فإذا كانت حياة الإنسان وما تحفل به من ابتلاءات للتمحيص والاختبار – بما يؤدي إلى ما يَعْتَري النفس من مشاعر متضارِبة ومتغيرة وفق درجة الإيمان والتقوى واليقين فيما يُلاقيه من القنوط والإحباط – أو عناصر تُشْرِقُ عليه بالأمل والرجاء فيما عند الله من جزاء ...!؟!.

 ... فإذا نظرنا في أحوال الداعين للإصلاح مِن "أصحاب الفِكْر والرأي" وهم يُبذِلون من الجهد ما يبذلون للارتقاء بِمُجْتَمعاتِهِم – لَوَجَدْنا أن الكثيرين منهم أصابتهم مشاعر الإحباط والشعور بانعدام الجدوى في بعض الأوقات في ظل الرياح العاتية لموجات التغريب والانحلال التي تحملها وسائل الاتصال الأشْبَه ما تكون بالطوفان الجارِف الذي يَجْرِفُ في طريقه غالبية خطوط الدفاع الفِكْري – وتنحيتها جانِباً لفقدانها القُدرة على التحصين أو التأثير – لاسيَّما في أوساط الشباب – في محاولات دؤوبة لاقتلاعهم من جذور ثقافتهِمْ وهويتهِمْ ودينهِمْ ...!؟!.
 ..."... للخروج من هذا "المأزق الوجودي" نرى من جانبنا – أن الأمر يتوقف على مدى إمكانية التزوُّد بالمقدرة على إحداث التفاعُل بين الإنسان المُسْلِم وعقيدته الإسلامية – وكيفية إيجاد "حلول قُرْآنية" للمُعْضِلات المجتمعية – لِتفعيل القيَم الدينية "أخلاقاً ومُعاملات" في حياة الناس – على مثال ما قامت به "الأًستاذة الفاضِلة" في دِراستها الهامَّة – موضوع المقال – وندعوها كما ندعو غيرها من المُتَخَصِّصين إلى تقديم المزيد مِن الدراسات في هذا الشأن – وأن تتضافر جهودهم مع جهود "المثقفين الحقيقيين" في مجالات "الثقافة والتعليم والإعلام" لنشرها على أوسع نطاق وتضمينْ هذه الدراسات البرامِج التعليمية والرِسالة الإعلامية الهادفة – للنهوض بالمجتمعات العربية والإسلامية – ثقافَةً ... وحضارةً ... وعلوماً ... وعُمْران ...!؟!...".

 ... في ختام المقال أدعو العُلماء والباحثين العاملين في حقل العلوم الاجتماعية إلى الاهتمام بالقضايا والمشكلات المُجتمعية – ليَكون العِلْم في خدمة المُجتمع بِهَدف الارتقاء بِهِ إلى الأفضل – وقَدْ سبقَ لي أنْ طالَبْتُ في مقال "الحُب في زمن كورونا"*** أنْ تُشاركَ "الجامعات ومراكز الأبحاث" في إيجاد الحلول للظواهِر السلبية التي تؤرِّق المجتمع – ولا يتم حَجْب إشعاعات النور والمعرفة عن الذين هُم في أشَدِّ الحاجة إليها لمواجهة صعوبات الحياة ...!؟!.

🌴"... انْشُروا الخَيْرَ تَجِدوهْ ..."🌴

 

___________________________________
 تنويه:- *دكتورة بتول حسين الركابي "الإحباط المجتمعي وعلاجه في سورة الحج" دراسة منشورة – ضمن أعمال "المؤتمر الدولي العاشر لكلية دار العلوم – جامعة المنيا – حول "الأمن الفِكْري والسِلْم المجتمعي" (8-9 يونيو 2021م) – المجلد الأول (ص.ص: 469-502) – المنيا – مصر.

**عباس محمود العقاد "التفكير فريضة إسلامية" – طبعة مؤسسة دار الهلال – القاهرة – 1988م.
*** سُليمان عبدالغفار "الحُب في زمن كورونا" مقال منشور على صحيفة صدى البلد الإلكترونية في 13يوليو2020م.

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط