الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفوضى الخلاقة في أفغانستان

بعد عشرين عاماً قضتها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ أعلن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الإبن الحرب على الإرهاب لم تحقق أهدافها على المدى الطويل وإكتشفت بما لا يدع مجالاً للشك فشل تحقيق المصالح الأمريكية في المجتمعات المعقدة والبعيدة مثل أفغانستان والعراق مما أربك السياسة الأمريكية وجعل أمريكا اليوم تكافح من أجل البقاء خارج أفغانستان بعد أن أدركت أن البقاء مُكلف ولا يخدم أي مصلحة أمريكية... كان من الممكن أن تظل وتقصف من بعيد ولن يكلفها ذلك جندي واحد ولكن فضلت عدم المواجهة العسكرية ليس هزيمة وإنما خيار ودهاء إستراتيجي ليبقى تخليها عن المنطقة العربية وأفغانستان مثال حي للإنعزالية السياسية التي بدءت في عهد (ترامب) وتكرسها حكومة (بايدن) فالإستراتيجية العسكرية تغيرت ليس هناك حاجة لبقاء القوات الأمريكية في مواقع دائمة في الشرق الأوسط وإنما مرونة في التحرك بحيث لا تبقى في منطقة واحدة وإنما تتنقل من أزمة إلى أخرى.
إن أمريكا لم تستطع خلال عقدين من الزمان بناء دولة في أفغانستان ولا حكومة ولا تعددية ولا مسار سياسي طبيعي داخل المجتمع الأفغاني لذا فكل ما تفعله الآن هو أن تحد من خسائرها وتقبل بالأمر الواقع وأقصى ما تصبو إليه هو إجلاء رعاياها بأمان.
كما أنها لم تُصب بالصدمة عندما رأت الجيش الذي صرفت عليه (88) مليار دولار وطالما تباهت بسلاح الأرض والجو والقوى الإستخباراتية إلخ.. وبأنهم خلقوا قوة ضاربة لن تستطيع أي قوة مجابهاتها لم يصمد سوى بضعة أيام.. الجيش الأفغاني لم يقاتل وسلم المدن والأقاليم والعاصمة بمنتهى السهولة ليقولها بايدن صراحة: (يجب الآن المغادرة إذا كنتم لا تدافعون عن وطنكم) وكأن الإدارة الأمريكية تفاجئت بما حدث والواقع إن كل هذا كان مخطط له عملية سياسية أمريكية فمن بين عدة سيناريوهات أعدت لها الولايات المتحدة تم إختيار هذا الفيلم الذي نفذ ونجح بالمعيار الأمريكي فطالبان لم تسيطر بقوتها فقط ولو راجعنا سير الأحداث سنجد أن القرار إتخذ قبل عدة أشهر فـ (كابول) لم تسقط يوم 15 أغسطس بل سقطت يوم (29 فبراير) الماضي عندما تم إستثناء الحكومة الأفغانية من المباحثات التي كانت مفترض أن تكون ثلاثية والحكومة جزء منها للوصول لإتفاق ثلاثي شامل وكان من الشروط أن مباحثات أفغانية ستبدء بين الحكومة وطالبان لكن ما جرى في الدوحة لم يكن مباحثات سلام حقيقية بل مفاوضات بين واشنطن وطالبان.. مشهد خطط له بلبنكن وبايدن ومسئولوا الدوحة وكانت الخطة أنه في يوم الإثنين يعلن الرئيس (أشرف غني) استقالته ويقوم مساعديه بتسليم السلطة لطالبان وعندما عاد مساعديه من الدوحة ليقنعوه بذلك أدرك أن طالبان متعاقدة على كل شيء وأنهم سيتحركون بسرعة كبيرة إلى كابول فغادر البلاد في ظروف لا تزال غامضة..
وخلال العامين الماضيين كانت العلاقات بين واشنطن والرئيس غنى غير جيدة وكان السفير (دلماي خليل زاد) كثيراً ما يشتكي من القصر الرئاسي ومن مستوى التعاون والحوار المُحتد والشراكة الضعيفة وأنهم يبحثون عن سبل لإيجاد شريك مناسب على الأرض.. 
لذلك تم الإتفاق على إنفراد طالبان بالحكم مع ضمان ألا تفرغ تنظيم إرهابي شبيهاً للقاعدة أو تتحول البلاد لملاذ للإرهاب وضرب المصالح الأمريكية مجدداً ولكن ما لم تدركه أمريكا أن "طالبان" المصنفة أصلاً كمنظمة إرهابية ليس لها سوى هدفين وهما محاربة الغزو الأمريكي وتطبيق نسختهم الخاصة من دولة الخلافة – وما يتم الحديث عنه الآن حول اللجنة الثلاثية المُشكلة من الرئيس الأفغاني السابق (حامد كرذاي) ورئيس لجنة المصالحة (عبد الله عبد الله) و (حكمتيار) زعيم الحزب الإسلامي بالتفاوض مع طالبان لتشكيل حكومة إئتلاف هو درب من الخيال لأن هناك حقيقة واحدة يدركها الجميع وهي أنه لا يوجد في عقيدة طالبان شيء إسمه المشاركة هي من الممكن أن تتنازل وتقبل بضم بعض الأشخاص من الحكومة السابقة كأفراد فقط شيء رمزي ليس أكثر... لكن طالبان لها أيدلوجيتها والفكر الذي تحتكم إليه وتريد أن تفرض حكم غريب على الشعب الأفغاني المسلم المتدين بطبعه.. تريد فرض نظام يشبه النظام الإيراني مكون من مجلس شورى أمير المؤمنين ولذا كان المتحدث باسم طالبان في المؤتمر الصحفي يستخدم كلمة إمارة ثم يعين رئيس وزراء أو رئيس جمهورية لتدشين نظام مدني سوري لإرضاء المجتمع الدولي لأنه من الصعب الآن أن تعيش أفغانستان في جزيرة معزولة وهي بلاد محطمة وبها 18 مليون يحتاجون مساعدات يومية كما أن هناك مناطق يستولي عليها تجار المخدرات بعلم طالبان فهناك 400 ألف يعملون في زراعة الخشخاش وتصدير الأفيون الذي تستفيد منه طالبان أيضاً هناك مشكلة في السلطة التشريعية والقضائية وفي إقناع طالبان بالديمقراطية وإنتخاب ممثلين للشعب الأفغاني الذي يحتاج إلى حكومة شاملة بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى الذي يريدونه..
الأفغان يريدون وجوه معتدلة يتعاملون معها لأن الشعب قلق من هذه الوجوه التي يعرفها جيداً وهذا القلق جعله يريد مغادرة البلاد.. يريد أيضاً ضمان الحريات وحقوق الأقليات التي لا تتعارض أبداً مع الشريعة الإسلامية وعمل المرأة والصحافة والإعلام.. إن طالبان ستواجه جيلاً من الشباب إعتاد على مستوى من الحريات الشخصية ومن الصعب أن يتنازل عنها.
إنه من المؤكد أن الأمور لن تسير على النحو الذي خططت له إدارة "بايدن" وستظل مشاهد الأفغان الذين سقطوا جثثاً هامدة بعد أن تعلقوا بأجنحة الطائرة العسكرية الأمريكية تلاحقه للأبد فهؤلاء هم ضحايا الحلم الأمريكي الكاذب..
ويوماً ما ستندم أمريكا بعد أن تتحول أفغانستان إلى ملاذ للإرهابين وسوف تضطر لبذل المزيد من الوقت والموارد لمجابهة ذلك... ستندم على الفوضى والدمار ونقل مسلحين تنظيم الدولة من سوريا والعراق إلى كابول بهدف إسقاط حكومة (أشرف غنى) حليف الأمس.. ستندم لأنها طبقت الأسلوب المفضل لديها دائماً خطة الفوضى الخلاقة في أفغانستان..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط