الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يا أزرق العينين يا محِمد يا أشقر يا وليدي.. حين نوحت الخالة فضة على خُط الصعيد

صدى البلد

دا ولدي خُط الصعيد.. صرخات مرت عليها السنوات تلو الأخرى، أطلقتها الخالة فضة الأم المكلومة أمام جثة فلذة كبدها محمد منصور "خُط الصعيد" الشهير، في صورة لن ينساها تاريخ محافظة أسيوط.

ملامح جنوبية رسمت وجهها تجاعيد العمر، جلباب أسود ولهجة صعيدية.. هكذا كان حال الخالة فضة والدة محمد منصور خُط الصعيد في الأربعينات، ولعل صرخاتها ونواحها على وفاته تتذكرها رمال الجبل في أسيوط حين نوحت الخالة فضة "يا أزرق العينين يامحِمد - يا أشقر ياوليدي".

عام 1907.. بداية الحكاية الأشهر في صعيد مصر، وبالتحديد في قرية درنكة بمحافظة أسيوط، حين شعرت الخالة فضة بآلام الوضع، لتضع طفلها محمد منصور "خُط الصعيد" في صمت معلنة مولد أشهر السفاحين في تاريخ مصر، والذي لم يعرف ابًا له ولكنه تربى وترعرع في حضن أمه - الخالة فضة - إلى أن دارت أحداث أسطورة الصعيد.

خُط الصعيد

مرت الأيام تلو الأخرى، لم يتلق نجل منصور أى نوع من التعليم، إلى أن شب عوده، وظهرت عليه ملامح الصعيد، بـ جلبابه وشاله، بالـ التكشيطة والسيديري الصعيدي.

قرية درنكة.. الشاهدة على واحدة من أهم حكايات الجريمة في مصر، شهدت ظهور "خُط الصعيد" وخاصة بعد مقتل - طوسون - أحد أفراد عائلة "حميد"، ووضع محمد علي قائمة المطلوبين للأخذ بالثأر منه.

حكاية خُط الصعيد في الجبال

ما كان علي "ولد منصور" سوى اللجوء إلى  الرمال الصحراء، الاختباء في الجبال، حتى علم بمقتل اثنين من أشقائه في واقعة الثأر، وكون عصابته التي كان جميع عناصرها هاربين من العدالة، وأخطرهم - صالحين عبدالمحسن - والذي أُعتبر الذراع اليمين لـ خُط الصعيد.

صال الشاب الصعيدي وجال في الجبال بين المطاريد والخارجين عن القانون، حتى ذاع سيطه واستطاع أن يكون قائدا هماما للإجرام، سطو وسرقة وقتل، اتجار في المخدرات والسلاح، نُشر الرعب في غضون تلك الفترة في قلوب الأهالي حتى امتدت الأخبار للصعيد بل في ربوع المحروسة بظهور - خُط الصعيد - محب الدماء ومتحدي الشرطة، بقتل العشرات والسطو على القطارات وسرقة المحلات.

مصرع خُط الصعيد

كان يخرج نهارا متعطشا للإجرام.. نشاط إجرامي بين السطو المسلح والسلب والنهب والخطف والقتل لحساب الغير أو القتل لفرض النفوذ والسطوة، بل وكان خُط الصعيد يفرض نفسه شريكًا لكبار المزارعين ويستولي على بعض الأراضي ويزرعها لحسابه الخاص عن طريق أعوانه في مختلف أنحاء أسيوط، واستيلائه على رؤوس كثيرة من الماشية التي كان يطلقها لترعى في أي مكان دون أن يجرؤ أحد بالتعرض لها، جمع من ذلك أموالًا طائلة لم يعرف مكانها أحد.

ولم يكن «الخط» يحتمي بالظلام لدى ارتكابه جرائمه، إنما كان يرتكب جرائمه مع عصابته في وضح النهار دون خشية، وبدأت الروايات تنسج حوله، ونسبت إليه كل الجرائم التي فشل الأمن في العثور على مرتكبيها فكانت أسطورته تتضخم يومًا بعد يوم.

في الناحية والأخرى ذيع روايات وقصص عن السفاح، وكانت أحدهما حين تقابل مع عمدة من - بيت أبو ليفة - وجلس بجواره وأشعل له سيجارته، وأرسل له في اليوم الثاني خطابا يعلمه بأنه من أشعل سيجارته بالأمس، وظلت الأخبار والأساطير تُذاع عن خُط الصعيد لبث الرعب في القلوب.

محمد منصور خُط الصعيد

ومن بين جرائمه وأيامه كانت إيقافه لأحد القطارات قبل توجه لمحافظة أسوان، ولم يترك شخصا بالقطار إلا وسرقة، وعاد من جريمته ليقتل 9 جنود إنجليز اعترضوا على ما فعله بالقطار.

وفي عام 1947، كان الملك فاروق يصافح الشاعر عزيز باشا أباظة - مدير مديرية أسيوط حينها - وبادره بعبارة تخص فهمه في الشعر، حين سأله قائلا "قولي ياعزيز باشا، هو الحظ بنقطة فوق الخاء ولا نقطة فوق الطاء"، وكانت كلماته تحمل معنى الحظ الذي يلازم الخُط في ظاهرها، ولكن باطنها كان يحمل فشل المديرية في القضاء على الأسطورة الإجرامية.

الإيقاع بـ أسطورة الصعيد ونهاية الخُط

في 1947 خطف منصور طفلا وطلب من أسرته فدية 100 جنيه، وعندما علمت الشرطة بالأمر، طلبت منهم ان يسايروا الخُط، وحين وصل لاستلام المبلغ وتسليم الطفل وجد شقيقي المخطوف غير حاملين المبلغ، وعلم بالمؤامرة فساقهم إلى حقل ذرة، في الوقت الذي كان عمدة القرية قد أعد مجموعة من المسلحين لحصار - منصور - ودارت معركة قُتل فيها الخُط بـ إحدى وعشرون طلقة.

الخالة فضة والدة خُط الصعيد

حمل مأمور المركز وآخرين جثمان الخُط وتوجهوا به ووضعوه أمام أعين والدته - الخالة فضة - فكان المشهد المأساوي للأم المكلومة، حين شيدت جدارا عازلا بينها وبين حزنها ودموعها وقالت ليس ابني.. أبعدوا هذه الجثة عني، فارتفع صوت المأمور - استدعوا الطبيب الشرعي - فانهمرت السيدة في البكاء صارخة "دا ولدي"، وجثت علي ركبتيها بجلبابها الصعيدي الاسود تنوح - يا أزرق العينين يامحِمد.. يا أشقر ياوليدي - وانهى نواحها أسطورة خُط الصعيد.