الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة الوعي (3)

تمثلت أهم أدوات ومقومات تشكيل الوعي الوطني والمجتمعي سابقًا ، في الأسرة والقرية والمدينة والمدرسة والجامعة والصحيفة والمسجد والكنيسة ... وبرغم أهمية تلك الأدوات ودورها في بناء الوعي لسنوات طويلة ، إلا أننا نعيش الآن في عالم جديد ، عالم الفضائيات والتواصل الاجتماعي وشبكات المعرفة ، حيث الخطاب شفاهي ومقروء وقاصد ومقصود .. مما جعل هناك زوايا رؤية لا تحصى وأهداف ذات ارتباط شديد بالايديولوجيا والمصلحة ، وجعل أيضًا عملية بناء الوعي عملية معقدة وصعبة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، التي أصبح لها نفوذ كبير وتحرك الرأي العام ، وتستخدم في بعض الأحيان لتهديد استقرار الدول من خلال الهجوم على مؤسساتها ونشر الأكاذيب والشائعات دون وجود رقيب.
‎ والحقيقة التي لا شك فيها ، أن وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" قد استغلت الساحة الفارغة المتروكة لصالحها بالوعي السلبي ، ونشر الأفكار المتطرفة ، والعبث بقيم وتقاليد المجتمع ، ومحاولة التشويش على إنجازات الدولة وخطواتها في جميع المجالات.
‎  لقد حذر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية في تقريره الخامس والعشرين من تنامي ظاهرة إعلام الإرهاب الإلكتروني ، التي كانت سببًا أساسيًا في انتشار العنف والتطرف ، موضحًا أن المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أضحت الأداة الأهم في يد الجماعات الإرهابية لنشر أفكارها المتطرفة ووضع خططها وتجنيد أعضائها ، لأن 80% من الذين انتسبوا إلى تنظيم داعش تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وقد ارتفع عدد المواقع الإلكترونية المحسوية على هذه الجماعات من 12 موقعًا إلكترونيًا عام 1997 ليصل بحسب الإحصائيات عام 2015 ، إلى 150 ألف موقع .
‎ وهنا يبرز دور الإعلام بوجه عام ، من خلال التركيز على فحص ذلك الكم الهائل من المعلومات الجديدة الواردة التي توثق طبيعة التنظيمات الإرهابية المتطرفة ، من أمثال "داعش" وممارساته وأهدافه ، ولا سيما تلك المعلومات التي يتم الحصول عليها من بعض العناصر المنشقة عن التنظيم ، بعدما اكتشفوا ماهية التنظيم وزيف دعاياته ومغرياته ، وأخلاقياته التي تتعارض كليًا مع الشعارات التي يطرحها... وهنا تبرز أيضًا أهمية تفعيل الإعلام الوطني ، لإضعاف النشاط الإعلامي للتنظيمات الإرهابية وخنقه بوسائل مختلفة وبرامج متقنة لتوضيح حقيقته في عيون الكبار والصغار ، وتغيير محتويات مواقع الانترنت ، من صور ونصوص دعائية للتنظيم ، ولا سيما الدعوة إلى الجهاد المزعوم والأفكار الدينية المزيفة.
‎ من جهة أخرى ، فإذا كانت وسائل الإعلام تصنف قديمًا بأنها تمثل السلطة الرابعة ، فإنه يمكن تصنيفها حاليًا بأنها تمثل السلطة الثانية بل الأولى ، نتيجة لما تحققه من نتائج ملموسة وتغيرات جذرية في السياسات والاستراتيجيات ، والأهم في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف ، لاسئصال هذا الفكر من جذوره ، والقضاء على آفته الخطيرة التي تنتشر كالوباء ، ولا سيما بين الشباب .
‎إن مصادرة العقل والوعي هي السلاح الأخطر في زمن السطوة الإعلامية والتواصل المفتوح ، وهنا يجب أن نميز بين الإعلامي المبدع الصانع والإعلامي التابع الضائع .. فالإعلامي المبدع الصانع هو القادر على الفهم والإقناع ، والتعبير عن الرأي العام بكافة أشكاله ، والمساهمة في صياغته وتكوينه ، يتمتع بالعلم والخبرة ويتحلى بالثقة والأمانة والصدق ، ويعرض كل الحقائق بحيادية حتى لو كان بعضها يحتوى على مظاهر سلبية أو غير مرغوبة .. أما الإعلامي التابع الضائع فهو الذي يتبنى فكر الآخرين ، ولا توجد لديه القدرة على الإقناع والتوعية ، بل يستعرض فقط ما ينشر في الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي ، وهو المتسبب الأول في انخفاض نسب المشاهدة والإنصراف عما يذاع         أو ينشر .
‎الإعلام يا سادة ، ليست وظيفة تقليدية ، أو عمل روتيني .. بل هو علم وثقافة وعمل إبداعي يحتاج إلى مبدعين وليس تابعين .. ولذلك نحن بحاجة إلى إصلاح إعلامي عاجل يتحقق به الوعي قبل فوات الآوان ، وإلى كوادر بشرية مؤهلة قادرة على النقاش والإقناع ، تستخدم لغة العقل والقلب لكسب الآراء ، وتمتلك القدرة على الجذب والترغيب لانتزاع الإرادة الجماعية وفرض الموقف وزرع الرأي ، والتغلغل الذي ينفذ إلى طبقات اللاوعي ، الفردي والجماعي ، لدى جماهير المتلقين من الصغار والشباب والكبار. 
‎وفي ذات السياق ، اقترح تشكيل لجنة لإدارة تطوير المحتوى البرامجي في جميع القنوات الفضائية ، وللتنسيق والتعاون فيما بينها لوضع استراتيجية لخلق الوعي الوطني والمجتمعي ، والتصدى للشائعات والأخبار الكاذبة والأفكار المتطرفة .. هذا بجانب التسيق والانسجام في الأدوار بين الإعلام ووزارات الثقافة والشباب والرياضة والأوقاف وغيرها من الجهات المعنية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط