الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الخيانة

أذكر قديما فى واحدة من حصص مادة اللغة العربية التى كانت تدرسها لنا استاذتى فاطمة رحمها الله طلبت منا كتابة موضوع تعبير عن معنى الخيانة ومايتركه فى نفس الخائن ومن خانه ، وتركت لنا حرية التحدث عن مواقف تعرضنا لها تصنف بالخيانة .. كل منا وكنا طالبات فى المرحلة الثانوية كتبن عن الخيانة العاطفية وعرضن تجربتنا فى هذه السن وبعض منا تحدث عن اهله وجيرانه الا هى زميلتنا سوسن وكانت فلسطينية الجذور وكتبت عن خيانة الوطن ومن فرط اعجاب استاذتنا بموضوع سوسن جعلتها تقرأه لنا بصوتها واستهلت سوسن موضوعها بجملة من يخون فردا واحدا ليس كمن يخون امة وشعبا وانا هنا لاعرض عليكم معنى قاس وجارح للفظة الخيانة الا وهو خيانة الوطن .. وللحق اقول اننا تأثرنا بما قالته وكتبته بقلب دامى وعين حزينة وقلم متألم .. مضت سنوات طوال واعادتنى احداث الامس الى ماكتبته سوسن عن خيانة الوطن وانا اقرأ واتابع ماتناقلته وكالات الانباء ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعى عن القاء القبض على الاسيرين الفلسطينيين اللذين نجحا ومعهما اربعة اخرين فى الفرار من احد سجون اسرائيل المحتلة للاراضى الفلسطينية . الخبر لم تكن صدمته بالقاء القبض على الاسيرين ولكن بمن ساعد سلطات الاحتلال بان تنجح فى مهمتها وتعيد الاسيرين الى سجن حفرا فيه نفقا واجتازا واربعة اخرين صعاب تنوء بحملها الجبال حتى خرجوا من غياهب السجون الى بنى وطنهم ، وهنا الفاجعة فمن وشى بهما لحمهما ودمهما وابناء وطنهم المسلوب ، هل تتخيل طعم الخيانة حينها وقسوة الطعنة ، لن تتخيلها كما تخيلتها وكتبت عنها سوسن حينما قالت كل الخيانات يبتلعها مايسمى بعالم النسيان الا خيانة الاوطان فهى لاتمحى ولاتنسى لان الخائن لايؤذى شخص او مجموعة ولكنه يؤذى وطن يزلزل كيان ابناءه فيجعلهم يتشككون فى قيمهم وميراثهم الثقافى والاجتماعى ؛ ليس هذا فقط بل يفيد العدو اكثر واكثر بأن يزرع الفتنة والكراهية والبغضاء بين ابناء الوطن لان الخائن فور معرفته يقع بين رأيين احدهما ان نأخذ حذرنا منه بقدر الامكان والاخر بأن يكون هناك ردة فعل ملموسة على خيانته من ضرب ، تمثيل به ، تدمير مكان اقامته ، وغيرها من الوسائل الانتقامية التى تعطى رصيدا للعدو فى تحطيم البنيان الداخلى للامة الفلسطينية التى حكمت عليها الاقدار بان تعيش مع مغتصبها راضية او رافضة وطلب منها الا تتأوه ولا يعلو صوتها لير بذلك الشاعر العراقى الرائع مظفر نواب بقوله ( اتصمت مغتصبة ) .. 
ماكتبته سوسن بقدر اعجابنا به حينها وتصفيقنا عليه الا اننا لم نستوعبه حرفيا مثلما ادركناه الان بهذه الحادثة المؤلمة نفسيا والتى تركت فى نفس كل انسان شريف تساؤلا وحزنا والما وجملة واحدة وحيدة لماذا يخون الانسان ؟ ولان الاجابات كثيرة وكلها من جوف الخائن فهى مرفوضة ومنبوذة وغير مرحب بها على الاطلاق .
لاتخون مهما كانت اخلاقك متدنية فالخيانة ستجرك الى الادنى والادنى مما انت عليه لتصل لمرحلة وصفة الوضيع..
لاتخون تحت اغراء الاموال فهى اموال غير طاهرة وحرام وماجاء من الحرام فلابركة فيه والنار به اولى 
لاتخون طمعا فى منصب فالمناصب زائلة وقديما دللوا على ذلك بقصة الاخوين اللذين تشاجرا على ميراث فأنطق الله حجر من حجارة البيت الذى يعيشا فيه وقال لهم انا كنت ملك احكم الدنيا من اولها لاخرها لااحد يعصى لى امرا وكل متاع الدنيا انهل منها كيفما شئت فمت وتحللت وجمع بعض الفخارين ترابى وصنعوا منه ابريقا وبعدها بفترة كسر الابريق فالتقطه احد الصناع ودسه وسط التراب والطين وصنع منى حجرا فى احد ابنية تعيشون فيها ، فلماذا الشجار اذن والجدال والخيانة؟
لا تخون مهما كانت المغريات فالزوال هو الاساس وغيره مرحلة ستنتهى حتما
لا تخون لان الخيانة اثم وعمل شيطانى وانت انسان كرمه الله على كل المخلوقات فكيف تتدنى وتنازع الشيطان فى عمله فهو خان الله عندما رفض السجود لادم ..
لا تخون لانك بشر انسان مخلوق راقى والخيانة جعلت لمن هم لايرتقون لكونهم بشر ولاينتمون للانسانية النظيفة الطاهرة 
فقط لا تخون كى تشعر بآداميتك وتسدى الى وطنك صنيعا ومعروفا بأن يقال عن وطنك بأنه وطن الاوفياء.. لا تخون .. 
لا تخون .. لا تخون.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط