الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا المسجدين الحرام والنبوي.. تؤكدان: الدنيا دار عملٍ وبذل يعمُرها الإنسان بما شاء والآخرة الحياة الدائمة الباقية توفّى فيها كل نفس ما كسبت.. عليكم بتقوى الله والإنصاف فهو غذاء لا غنى عنه

خطبتا المسجدين الحرام
خطبتا المسجدين الحرام والنبوي

خطيب المسجد الحرام: 

  • عليكم بتقوى الله فهي الحمى الأحمى والعز الأسمى
  • الإسلامِ دينُ الأخلاقِ النبيلة والآدابِ الجميلة يقررها ويوجبها
  • الإنصاف يُورِثُ النُّبْل والخير ويُصيبُ صاحبُه مِن ورائه الصواب
  • قِلَّةَ الإنصافِ تُبعِد ما بين الأقاربِ والخِلان

خطيب المسجد النبوي: 

  • الحياة الدنيا دار عملٍ وبذل يعمُرها الإنسان بما شاء
  • الآخرة هي الحياة الدائمة الباقية توفّى فيها كل نفس ما كسبت

حثت خطبتا المسجدين الحرام والنبوي ، على تقوى الله سبحانه وتعالى ، فهي الحمى الأحمى والعز الأسمى، منوهة بأن الإسلام هو دين الأخلاق النبيلة والآداب الجميلة أنه دينٌ يُقرِّر ثباتَ الأخلاقَ الكريمةِ ويُوجِبُها، ويُنشئ بَنِيهِ عليها إنها أصلٌ أصيلٌ في الاعتقاد الحقّ، ويأتي الإنصاف في طليعة هذه الأخلاق، كما أنه بُرهان على سُمُوِّ النفس، والتجرُّدِ من الأثَرة والهوى، وعاقبتُه عُلُوُّ الهِمة، وبَراءةُ الذِمَّة، وهو سبب في شُيُوع المحبة بين الناس، وعاملٌ مُهم في هَنائهم وسعادتهم.

ومن مكة المكرمة ، قال الشيخ الدكتور بندر بن عبد العزيز بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن تقوى الله، هي الحِمى الأحْمى، والعِزُّ الأسْمى، مشيرًا إلى أن دينُ الإسلامِ دينُ الأخلاقِ النبيلة، والآدابِ الجميلة.

وأوضح «بليلة» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة ، أنه دينٌ يُقرِّر ثباتَ الأخلاقَ الكريمةِ ويُوجِبُها، ويُنشئ بَنِيهِ عليها إنها أصلٌ أصيلٌ في الاعتقاد الحقّ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله في بيانِ منهجِ السلَفِ: «ويدعُون إلى مكارمِ الأخلاقِ ومَحَاسنِ الأعمالِ، ويعتقِدون معنى قولِهِ صلى الله عليه وسلم: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا».

وأضاف أنه مما يُنبئُ عن منزلتها ومكانتها, أن النبيَّ حلى الله عليه وسلم حَصَرَ بِعثتَه في تتميمِ مَكارمِ الأخلاق فقال: «إنما بُعثت لأتمِّمَ صالحَ الأخلاق» أخرجه الإمامُ أحمدُ وصحَّحه الحاكم، وكان عليه الصلاةُ والسلامُ بالمحلِّ الأرفَعِ من جَمالِ الخُلُقِ وحُسنه،  وسُئلتْ عائشةُ رضي الله عنها عن خُلُقه فقالت: «كان خُلُقُه القرآن» أخرجه الإمامُ أحمدُ في مسنده.

معنى الإنصاف

ونبه إلى أنه يأتي في طَلِيعةِ الأخلاقِ الكريمة، والخِلالِ العظيمة: خَلَّةٌ حميدة، وخُلُق جليل، يُورِثُ النُّبْل والخير، ويُصيبُ صاحبُه مِن ورائه الصواب إنه: الإنصاف، منوهًا بأن الإنصافُ يعني العدل، ووضعَ الشيءِ في موضعه، وإعطاءَ المرءِ غيرَه من الحق مثلَ الذي يُحبُّ أن يأخذه منه ولقد أتت النصوصُ الشرعيةُ حاضَّة عليه، آمرةً به.

واستشهد بما قال عمارُ بنُ ياسر رضي الله عنه: «ثلاثٌ من جَمَعهن فقد جَمَع الإيمان: الإنصافُ من نفسك، وبذلُ السلام للعالَم، والإنفاقُ من الإقتار» -أخرجه البخاري تعليقًا-، وقال أبو الزِّناد رحمه الله: «إن العبدَ إذا اتَّصَفَ بالإنصاف لم يترك لمولاهُ حقًا إلا أدَّاه، ولم يترك شيئًا مما نهاه عنه إلا اجتنَبَه، وذلك يجمعُ أركانَ الإيمان»، وقال الإمامُ أحمدُ رحمه الله: «ما أحْسنَ الإنصافَ في كل شيء» وإنه بُرهان على سُمُوِّ النفس، والتجرُّدِ من الأثَرة والهوى، وعاقبتُه عُلُوُّ الهِمة، وبَراءةُ الذِمَّة، وهو سبب في شُيُوع المحبة بين الناس، وعاملٌ مُهم في هَنائهم وسعادتهم.

مراتب الإنصاف

وأفاد بأن للإنصافِ مراتبَ عِدة، فأولُها وأَوْلاها: الإنصافُ مع الله جل جلاله، بعبادتِهِ وحدَه لاشريك له، فالشركُ به سبحانه يُضادُّ الإنصاف، وهو أقبحُ الظلمِ وأسوأهُ،  وسأل ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «أيُّ الذنبِ أعظم؟ قال: أن تجعلَ لله نِدًا وهو خلقك» أخرجه البخاري ومسلم, وكذا عدمُ منازعتِهِ سبحانه في أسمائه وصفاته، وشُكرُهُ سبحانه على نِعمِه ومِننه، بفعلِ المأمورات، واجتناب المنهيات.

وتابع: وثانيها: الإنصافُ مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، بالقيامِ بحقوقه كافة، إيمانًا به، ومحبةً له وإجلالا، وطاعةً وتوقيرا، وتقديمًا لأمرِه وقولِه، على أمرِ غيرِه وقولِه، وثالثُ المراتب: إنصافُ المرءِ نفسَه من نفسِه، وتلك مرتبةٌ سامية، فمن لا يستطيع إنصافَ نفسه لا يستطيعُ إنصافَ غيره؛ إذْ فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه!.

وأشار إلى أنه يُنصفُ المرءُ نفسَه بألا يدعيَ لها ما ليس لها، ولا يُدنِّسُها بارتكاب الرذائل والمعاصي، وأن يرفعَهَا بطاعةِ الله عزوجل، وحبِّهِ وخوفهِ ورجائِه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وإيثار مرضاتِه على مرضاة خلقه، لافتًا إلى أن رابعُ مراتبِ الإنصاف: إنصافُ الناس، بأن يُنصِفَ المسلمُ غيرَه من نفسه، بالتجرُّدِ في الحُكمِ عليه، والبحثِ عن قصدهِ في الكلام الذي يسمعُهُ منه أو يَبْلُغُه عنه، مع التبيُّنِ والتثبُّتِ قبل الحكم

وبين أن المسلمُ يُنصِف غيرَه بإحسانِ الظن به، وحملِ كلامه على أحسن الوجوه، قال سعيدُ بن المسيِّب رحمه الله: «كتب إليَّ بعضُ إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنْ ضعْ أمرَ أخيك على أحسنِه، ما لم يأتِكَ ما يغلبُك، ولا تظُنَّنَّ بكلمة خرجتْ من امرئٍ مسلمٍ شرًا، وأنت تجدُ لها في الخير مَحْمَلا».

نتائج قلة الإنصاف

وأكد أن قِلَّةَ الإنصافِ تُبعِد ما بين الأقاربِ والخِلان، وكم من خلافٍ نشأ بين أَخَوينِ أو صاحبَين، بسبب جُحُود أحدِهِما بعضَ ما يَتحَلَّى به الآخرُ من فضل، أو رَدِّهِ عليه رأيًا أو رواية، وهو يعلم صوابَه فيما رأى، وصِدقَه فيما روى، منوهًا بأن الأُممَ التي تَنشُدُ الرُّقِيَّ والتقدُّمَ تحتاجُ أرواحُ بَنِيها إلى زادٍ هنيء طيبٍ من الأخلاقِ المجيدة، والشمائلِ الحميدة، كما تحتاج أجسامُهُم إلى الغذاء الجيِّدِ من الطعام؛ لتَقوى به على طلب المَعَايش، والإنصافُ غِذاءٌ لا غِنى عنه.

ونوه بأن مَن أرادَ أن يتحلَّى بخُلُق الإنصافِ فلْيبحثْ في نفسه عن عِلَّتَي الحسدِ والغلُوِّ في حب الذات، فإن وجد لهما أثرًا راضَ نفسَه وقَهَرَها حتى ترجِع إلى فِطرتها وخيرُ ما يُنفى به الحسد: أن يعلمَ المرءُ أن حكمةَ الله تعالى اقتضتْ جَعْلَ هذا الفضلِ في هذا الإنسان، فلا يَعترضُ ولا يَكرهُ ما اقتضتهُ الحكمةُ الإلهيةُ لئلا يَقعَ في المأثم وأما الغُلُو في حُب الذات فدواؤهُ التهذيبُ لتكونَ عاطفةً معتدلة، تجلِبُ له الخير، وتأبى له أن ينالَ غيرَه بمكروه، قال ابنُ حزمٍ رحمه الله: «مَن أرادَ الإنصافَ فلْيتوهَّمْ نفسَه مكانَ خَصْمه، فإنه يلُوحُ له وجهُ تعسُّفِه».

ومن المدينة المنورة ، قال الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن أن الحياة الدنيا دار عملٍ وبذل، يعمُرها الإنسان بما شاء، ثم يجزي اللهُ العبادَ على ما قدموا لأنفسهم من خير أو شرّ.

الآخرة هي الحياة الدائمة

وأوضح «الحذيفي» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن الحياة الآخرة هي الحياة الدائمة الباقية، توفّى فيها كل نفس ما كسبت بعدل الله سبحانه وحكمته، موصيًا بتقوى الله سبحانه وتعالى بطلب مرضاته, واتقاء غضبه وعقوباته، إذ قال الله سبحانه : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون».

وأضاف أن الربّ جلّ وعلا، خلق الخلق بقدرته وعلمه وحكمته ورحمته، وأوجد هذا الكون المشاهد, وجعل له أجلاً ينتهي إليه لا يعدوه, وخلق هذا العالم المشاهد الأسباب، وخلق ما يكون بالأسباب، فهو الخالق للأسباب ومسبَّبَاتها، فما شاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن.

واستشهد بما رواه ابن عساكر من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الملائكة قالوا ربَّنا خلقتنا وخلقت بني آدم فجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويتزوجون النساء ويركبون الدواب ينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئاً فاجعل لهم في الدنيا ولنا في الآخرة » ‏فقال الله عز وجل: «لا أجعل من خلقت ‏بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان ».

تسخير المنافع والمصالح

وأشار إلى أن من عظائم نعم الله على بني آدم ما سخره لهم من المنافع والمصالح والآلاء قال الله سبحانه: « أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»، وقال عز وجل: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون».

وأفاد بأن الحكمة من إسباغ النعمِ على بني آدم ليسلموا بالطاعة لله تعالى، ويشكروه، ولا يشركوا به أحداً، وما نوّه الله عز وجل بذكر الإنسان منذ أن خلق الله آدم عليه السلام بيده، وما بيّن من أطوار وأحوال هذا الإنسان إلاّ ليبيّن له مهمته في هذه الحياة ويعلِمه بوظيفته والحكمةِ من خلقه وأنه محل تكليفه وأمره ونهيه، وأنه حامل أمانةَ الشريعة، وشرفَ عبادَة ربه قال تعالى : «أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى».

ونبه إلى أن مما بيّن الله لنا سبحانه من سنن هذا الكون، وما خلق فيه من الأسباب التي تؤثّر في وجود ما بعد هذه الأسباب أنه سبحانه وتعالى بيّن لنا من سننه في هذه الحياة أن أعمال الإنسان تَصْلح بها الحياة إذا كانت أعماله صالحة, ويدخل الفساد في الحياة إذا كانت أعماله فاسدة، وأن أعمال الإنسان يسري صلاحها أو فسادها حتى في الحيوان والنبات رحمةً من الله وعدلاً، ليلزم الإنسان الطاعات، ويهجر المحرمات، فبركات الحياة وخيراتها مقرون بصلاح أعمال الإنسان.

النظر والتفكّر في نعم الله

وحث على النظر والتفكّر فيما أنعم الله به علينا من نعم لا يقدر غير الله أن يحصيها، وأن نشكر الله على هذه النعم العظيمة، فلو سلبت أقل نعمة من إنسان لم يقدر أحدٌ غير الله تعالى أن يردّها، وليس في نعم الله قليل، مبينًا أن باستقامة الإنسان وصلاحه، وبَذْلِه للخير، وكفّه عن الشرّ، يكون معيناً على الحفاظ على مجتمعه.

وتابع:  ومنقذاً لنفسه من الشرور والعقوبات، بوصفه مسئول أمام ربّه عن أعماله في حياته، مشددًا على أن الدار الباقية هي التي أمام العبد بعد موته، فطوبى لمن عمرها بالصالحات وويل لمن رضي بدنياه ونسي آخرته، فالدنيا مدبرة، إن أحبّ أو كره, والآخرة مقبلة إليه على ما قدّم ودائمة.