الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«سلو بلدنا».. يغتال طفولتنا!

للمرة التي لا أعرف تحديداً عددها، تنقلب السوشيال ميديا ولا تقعد جراء مقطع فيديو لحفل خطبة طفلين لم يتجاوزا سن ال12 عام بإحدى قرى البدرشين.. وذلك وسط حضور كم هائل من المعازيم الصغار، وبمباركة أهل العروسين وأبناء قريتهم،.. وكأن التشريعات القانونية التي تجرم الزواج المبكر، والجهات المعنية بحماية الطفولة لا تكفي لردع من تسول له نفسه لإهدار براءة صغارنا!.. 

والأغرب من كل ما فات، مداخلة هاتفية على أحدى برامج "التوك شو" لشقيق الطفل صاحب الفيديو الكارثي، يتكلم  فيها بمنتهى ألا مبالاة عن ما حدث، باعتباره إعلان ارتباط أو بمعنى أدق "ربط كلام"، وليس فيه أي خرق للقانون لعدم أتمام الزواج قبل بلوغ طرفيه سن ال18.. مبرراً أن هذا هو "سلو بلدنا"!..

والحقيقة يا سادة،..الرجل لم يكذب حين قال "سلو بلدنا".. نعم.. لازال "سلو بلدنا" يسرق براءة الأطفال، ويورطهم في زيجات عرفية  بالتحايل على القانون.. والنتيجة كوارث ليس لها أول من أخر، أبسطها سقوط أحقيتهم في التقاضي أمام محاكم الأسرة حال نشوب أي خلاف، وأخطرها عدم  استطاعتهم توثيق شهادات ميلاد لأبنائهم من تلك الزيجة.. وتزداد المأساة لو كبر العريس الهمام وغير رأيه في طفلته العروس، ورفض توثيق زواجهما رسمياً أو حتى أنكر نسب صغاره منها!.. فلا تجد وأسرتها إلا الجلسات العرفية للتحكيم بينهما، وأحياناً تضطر الزوجة المغلوبة على أمرها تسجيل صغارها باسم أبيها أو خالها ما يعرضها لجريمة اخطر وهي خلط الأنساب!..

 كل هذه الانتهاكات وأكثر والفاعل "سلو بلدنا"،.. وأصدق دليل على خطورة هذا "السلو" ما أعلنه مدير خط نجدة الطفل التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة  عن تلقيه 516 بلاغ لحالة زواج أطفال خلال أول 6شهور من عام 2021فقط،  بينما كشفت أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن حوالي 117ألف حالة زواج مبكر ما بين 10و17 عام تتم سنوياً دون أوراق ثبوتية، من بينهم 1200مطلقة و1000أرملة .. 

وبعيداً عن الأرقام، تعالوا نغض البصر عن كل ما قيل ويقال، ونأخذ كلام شقيق عريس البدرشين على محمل جد، يعنى نصدق تعهد أسرته والتزامهم بعدم تزويج العروسين قبل سن ال18،.. أليس "سلو بلدنا" الذي يربط صغار بدبلة خطبة كفيل أن يغتال أحقية الذكر والأنثى في كل ما يمت للطفولة عن قريب أو بعيد؟!.. فبدلاً من أن تفكر الفتاة في الاستذكار والتعلم، يأخذها الارتباط للتركيز في متطلبات ومسئوليات الزواج، كذلك الولد يهمل غد قد يحمل له فرصة تعلم وعمل أفضل وينشغل بيوم يوفر له لقمة عيش تعينه على فتح بيت!..  

أعتقد أن "سلو بلدنا" يحتاج إلى وقفة، ليس في التشريعات القانونية، لكن في العقول المنغلقة على معتقدات ومفاهيم بالية.. نعم.. عقولنا بحاجة ملحة لإعادة برمجة.. وهي مهمة صعبة، وتنفيذها يستلزم  تضافر جهات عدة كأعلام يقنع المتلقي بالحجة والدليل، ودراما تهز كيان المشاهد وترسم خارطة عالمه، ومجتمع مدني يجوب القرى والنجوع ويحاور الآباء والأمهات بأسلوب يتناسب مع درجة أستيعابهم، والأهم خطاب ديني مستنير يتصدى لأي فتوى متشددة ويرشد القلب للصواب.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط