الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما الذي يخفيه مارك زوكربيرج؟.. 7 ساعات من الكسوف الرقمي تفتح أبواب الجحيم على فيسبوك.. معلومات متضاربة حول ممارسات شائنة تمحو الشركة سجلاتها.. والسر في توقيت العطل

مارك زوكربيرج مؤسس
مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك

سبع ساعات انقطعت خلالها خدمات موقع فيسبوك والتطبيقات والمنصات المرتبطة به، في أطول فترة احتجبت فيها خدمات فيسبوك ربما منذ إطلاقه عام 2004، وبشكل أثار الشكوك حول كون العطل نتاج عمل متعمد من إدارة الشركة ومؤسسها مارك زوكربيرج لغرض ما.

وما عزز الشكوك المثارة حول دور إدارة فيسبوك في تعطل الخدمة أنه وقع بالضبط في الوقت الفاصل بين لقاء إعلامي مع موظفة سابقة بالشركة كشفت عن ممارسات شائنة لإدارة فيسبوك بغرض الربح، وإفادة أدلت بها في اليوم التالي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي.

ما الذي حدث؟

تقنياً، يلف الأمر غموض شديد، إذ لا توجد تفاصيل كافية وكل ما خرج إلى الآن هي استنتاجات من خبراء في ضوء المعلومات التي جاءت من عاملين داخل شركة فيسبوك. فالشركة قالت في بيان إن العطل سببه "تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم” التي تربط من خلال الإنترنت هذه المنصّات بمستخدميها، الأمر الذي تسبب في سلسلة من المشاكل أثرت على أدوات وأنظمة كثيرة نستخدمها داخلياً بشكل يومي، ما عرقل جهودنا لتشخيص المشكلة وحلها".

وأضافت الشركة في رسالة لها على موقع تويتر، الذي لجأت اليه للتواصل مع عملائها ومستخدميها، "نحن ندرك أن بعض الأشخاص يواجهون مشكلة في الوصول إلى تطبيقاتنا ومنتجاتنا. نحن نعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن، ونعتذر عن أي إزعاج".

وفي حوار له مع إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، قال علي السباعي، الاستشاري في الأمن الرقمي وأمن المعلومات من بيروت، إن "كل خدمات فيسبوك خرجت من نطاق الإنترنت بسبب ما يعرف بخلل في الإعدادات (misconfiguration) حدث من جانب الشركة.. سبب المشكلة هو Border Gate Protocol أو بروتوكول البوابة الحدودية (BGP) وهي للتسهيل اللغة التي تتحدث بها أو تتواصل من خلالها شبكات الإنترنت مع بعضها".

وأضاف السباعي: "ما حدث أن الخادم (Server)  الخاص بفيسبوك خرج عن هذه الشبكة ولم يعد موجوداً على شبكة الانترنت نتيجة لخطأ في الإعدادات، ولم يعد بإمكان الشبكات أن تتحدث مع بعضها، لذلك لم يتمكن أحد من استخدام أي من خدمات فيسبوك المختلفة لأنها لم تكن على الشبكة Off-Grid، بمعني أن السيرفرات (الخوادم) نفسها قد تكون لاتزال تعمل لكن الإعلان عن وجودها في حد ذاته على شبكة الانترنت اختفى كون كل البنية التحتية لشركة فيسبوك نفسها تدار من جانب الشركة وليس من جانب جهات أخرى خارجية، ما أدى إلى تعطل هذه البنية التحتية، حتى أن الموظفين فشلوا في الدخول إلى غرف السيرفرات وأماكن أخرى تعمل بالبطاقات الممغنطة، نطراً لارتباط كل شيء في الشركة - بما فيها الأبواب - بشبكة الانترنت الخاصة بالشركة، ما جعل الموضوع يستغرق عدة ساعات إلى أن استطاع المهندسون دخول المبنى والغرف والبدء في حل المشكلة".

تسريبات مقلقة للغاية

ومن عجائب "المصادفات" أن تتزامن تلك الأزمة التقنية مع أزمة أخرى بطلتها المهندسة فرانسيس هوجن الموظفة السابقة في فيسبوك، والتي استقالت من منصبها قبل عدة أشهر اعتراضاً منها على "اختيار شبكة التواصل الاجتماعي الربح المادي على سلامة مستخدميها”، بحسب ما قالت خلال مقابلة بثتها محطة "سي بي إس” التليفزيونية الأمريكية.

وقبل استقالتها، عمدت المهندسة الشابة إلى تصوير عدد ضخم من الوثائق التي تثبت صحة ادعاءاتها وأرسلتها إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" التي قامت بعمل تحقيق مثير كشفت فيه - استناداً إلى الوثائق - أن الشركة تعلم تماماً أن عدداً من منتجاتها وبالأخص إنستجرام تتسبب في مشكلات نفسية عميقة وخصوصاً للمراهقات قد تنتهي بالانتحار.

وأظهرت البحوث التي أشار إليها التحقيق أن 32 في المئة من الفتيات المراهقات شعرن بأن استخدام إنستجرام منحهن صورة أكثر سلبية عن جسدهن فيما لم يكنّ راضيات أصلاً عنه. وأكدت المهندسة العاملة سابقا في فيسبوك أن شبكة التواصل الاجتماعي مدركة جيداً لهذا الانحراف، لكنها رفضت التدخل لتعديله، لأن ذلك قد يتسبب في انخفاض أرباحها المالية الهائلة.

نظريات المؤامرة تنتشر

هذه "الصدفة" التي تزامن فيها سقوط فيسبوك وخدماته مع توقيت نشر تحقيق "وول ستريت جورنال" أدت إلى انتشار الكثير من نظريات المؤامرة.

على أن أشهر تلك النظريات على الإطلاق وأكثرها انتشاراً - خصوصاً على موقع تويتر - كان ما قيل إن شركة فيسبوك نفسها هي من تقف وراء تعطيل عمل المنصة ومنتجاتها، وأن مهندسي الشركة خلال فترة التوقف قاموا بعمل مسح شامل وإلغاء لكافة المسائل الحساسة التي تحدثت عنها تسريبات الموظفة السابقة بالشركة، وذلك خوفاً مما قد ينتج عن الجلسة التي سيعقدها الكونجرس الأمريكي للاستماع إلى شهادة الموظفة السابقة بشان أضرار الشبكة النفسية، حيث يعتقد البعض أن لجنة من الخبراء قد تشكل من الكونجرس وتمنح صلاحيات لدخول الشركة وفحص خوادمها والخوارزميات المستخدمة، ما قد يكشف أموراً أبعد وأخطر من كل ما نشر، بحسب أصحاب تلك النظرية.

وانتشر بين المغردين على تويتر أيضاً شائعة مفادها أن ما حدث لشبكة فيسبوك كانت نتيجة لعملية هجوم إلكتروني، بل زعم بعضهم أن منفذها مراهق صيني يبلغ من العمر 13 عاماً، وأن البنتاغون، وزارة الدفاع الأمريكية، اضطرت للتدخل للتحقق من وجود هجوم سيبراني على البلاد من عدمه.

وفي هذا الإطار يقول علي السباعي الاستشاري في الأمن الرقمي وأمن المعلومات لـ DW عربية: "بالنسبة لمسالة الهجوم السيبراني أو الاختراق فكل شيء محتمل، لكن على الأغلب فإن هذا الموضوع بالتحديد نتج عن خطأ في تغيير الإعدادات وهذا ما أعلنت عنه بالفعل شركة فيسبوك، لذلك فهذا هو السبب الأوضح، وهو خطأ بشري من جانب أحد موظفي الشركة ما أدى لهذا الشلل العام داخل شبكات فيسبوك المختلفة".

أضرار وخسائر فادحة

بسبب هذا الخطأ التقني، خسر سهم فيسبوك خلال الأزمة ما يقرب من 5% من قيمته السوقية، بل إن مارك زوكربيرج نفسه خسر حوالي 7 مليارات دولار جراء تعطل منصات التواصل الاجتماعي حول العالم. ووصلت تقديرات الخسائر إلى نحو 50 مليار دولار أمريكي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت تأثيرات الأزمة إلى أسهم شركات التكنولوجيا الكبري مثل تويتر وجوجل وأمازون وآبل، مدفوعين في ذلك بتصاعد قلق المستثمرين من مدى نجاعة عمليات التأمين التقنية لتلك المنتجات وتقليل حدوث المشكلات أو تقليل وقت حلها إلى الحد الأدنى لتصطبغ شاشات "وول ستريت" باللون الأحمر.

واستفاد منافسو فيسبوك من العطل. فانتقل تطبيق "تلجرام" من المرتبة السادسة والخمسين للتطبيقات المجانية الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة إلى المرتبة الخامسة في غضون يوم واحد بحسب شركة "سنسر تاور" المتخصصة. وكتب تطبيق "سيغنال" للمراسلة أن "التسجيلات على تطبيق سيجنال شهدت ارتفاعا كبيراً".

هل حان وقت الحساب؟

ومن شأن الحادث أن يدعم موقف منتقدي الشركة العملاقة، ذلك أنه يُظهر سطوتها الواسعة على الحياة اليومية. وقال جايك وليامز أحد مؤسسي شركة "بريتش كويست" للأمن الإلكتروني في تصريحات صحفية إن "تأثير الحادث أسوأ في كثير من الدول حيث يتماهى فيسبوك مع خدمات الانترنت" أو "للمستخدمين الذين يلجأون إلى شبكة التواصل الاجتماعي للوصول إلى خدمات أخرى".

وتملك السلطات الأمريكية اليوم الكثير من الحجج شديدة الإقناع لشن حملة على فيسبوك، خصوصاً بعد ما سربته فرانسيس هوجن من معلومات حول التأثير المضر لفيسبوك وإنستغرام على المجتمع.

وخلال إفادتها الصحفية اليومية، قالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض تعليقاً على ما ورد في تحقيق "وول ستريت جورنال" وما كشفته المهندسة السابقة في فيسبوك، إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى تلك التسريبات على أنها أحدث حلقة من سلسلة حول منصة التواصل الاجتماعي توضح أن فكرة "التنظيم الذاتي لا تعمل"، بما يعني أن إدارة الرئيس بايدن بدأت تنظر بعين الريبة لهذا الحجم الهائل من القوة المعلوماتية المتركزة في أيدي عدد محدود من الأشخاص والشركات التجارية التي تهتم بالربح المادي فقط في المقام الأول.

وتابعت ساكي قائلة إن التسريبات تثبت صحة "القلق الكبير الذي عبر عنه الرئيس والمشرعون من الحزبين حول كيفية عمل شبكات التواصل الاجتماعي الضخمة والسلطة التي جمعوها في أيديهم".

وفي أعقاب نشر صحيفة وول ستريت جورنال للتحقيق، قرر الكونجرس الأمريكي عقد جلسة استماع لموظفة فيسبوك السابقة. وفي مقتطفات حول ملاحظاتها التمهيدية التي بثتها وسائل إعلام أمريكية عبر تويتر، ستحث هوجن البرلمانيين على وضع ضوابط لفيسبوك، وهو أمر يعد به الكثير منهم بانتظام ويواجه مقاومة عاتية من جانب فيسبوك وغيره من شركات الإنترنت الكبرى وخصوصاً المالكة لمواقع  التواصل الاجتماعي.