الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فرقة الشحن والجثة المكبلة.. حكايات مرعبة من مصحات إدمان الظلام

مستشفى إدمان - أرشيفية
مستشفى إدمان - أرشيفية

بمجرد أن تخطو قدمك أولى دَرَج المبنى المحكم إغلاقه، قد ترى عيناك حقيقة مرسومة على حوائط تحمل عبارات عن مكافحة الإدمان وعلاجه ولافتة بعنوان "مصحة إدمان"، وبين تلك الحقيقة الظاهرة أمامك والواقع الخفي في مصحات الظلام المشبوهة، فإن حقيقتها أنها "مقابر إدمان".

بين الحين والآخر، تخرج الروايات والحكايات بل القصص المرعبة عن مصحات الإدمان المشبوهة، التي أصبحت "بيزنس" يدار لجلب الأرباح، على يد أُناس غير مختصين بالمهنة، دون شروط مزاولة النشاط العلاجي، يدخل إليهم الشاب طالبا العلاج من إدمان المواد المخدرة، ليجد أمامه سلخانات للتعذيب، غرف مظلمة، وشخصيات تراها الأعين في "سيناريوهات الرعب"، فيخرج منها في كفنه الأبيض إلا من يرحمه الله.

الحبال والعصي.. هنا فيلا كرداسة

ضمن قصص التعذيب التي يتعرض لها متعاطو المواد المخدرة حال طلبهم العلاج، كشف الأمن عن واحدة من هذه المقابر غير الآدمية والتي تدار دون ترخيص، وذلك من خلال معلومات وتحريات تلقتها مباحث الأحداث كشفت الستار عن فيلا كرداسة، التي استأجرها شخصان لإدارتها كمركز طبي لعلاج الإدمان بدون ترخيص، احتجزوا داخلها عددا من متعاطى المواد المخدرة، وصرفوا أدوية وعقاقير طبية لهم بدون استشارة طبية وذلك نظير مقابل مادى، وحين استهدف الأمن الفيلا بمدينة كرداسة، تم القبض على شخص من الاثنين، و5 آخرين قائمين على إدارتها، لهم معلومات جنائية، بل وكانت المفاجأة حين تم العثور على قرابة 100 شخص من متعاطي المواد المخدرة، محتجزين داخلها، عقب قيام أهلهم بإحضارهم بالإكراه عنهم.

غرفة مهجورة 


وكانت المفاجأة في روايات المحتجزين، حين أكد 7 أشخاص من بينهم، أنهم تم احتجازهم داخل الفيلا عقب قيام أهلهم ايداعهم للعلاج، وتعرضوا لحفلات من الضرب والإهانة على يد إدارة المكان، وأيضا تعرضهم للتكبيل بالحبال بصورة دائمة وإجبارهم على تناول الأدوية المهدئة للسيطرة عليهم، ليس ذلك فقط، بل أيضا ظهر داخل الفيلا أدوات الإجرام "مجموعة من الحبال والعصى"، وكميات من الأدوية المهدئة للحالة النفسية والعصبية يحذر تداولها بدون استشارة طبية، وعينات تحليل مخدرات، وأيضا كميات من السرنجات الطبية مجهولة المصدر، وسجلات لإثبات بيانات أحوال ومعيشة المحتجزين، وسلاح أبيض "سنجة".

وكان الواقع المرير على أهالي المحتجزين، حين تبين أن المصحة بدون ترخيص ويتم مزاولة مهنة الصيدلة داخلها بدون ترخيص وصرف أدوية وعقاقير مهدئة للحالة النفسية والعصبية بدون استشارة طبية، وأيضا مزاولة مهنة الطب من القائمين على إدارة المكان بدون ترخيص، وعدم وجود تجهيزات طبية، بل واعترف المتهمون المضبوطون جميعا بارتكاب جريمتهم، وذلك مقابل مبالغ مالية شهرية للفرد الواحد، واعترفوا أيضا باستخدام الحبال والعصى لتكبيل النزلاء المحتجزين وإجبارهم على تناول الأدوية المهدئة للسيطرة عليهم.

مبنى مهجور 

فرقة الشحن.. رعب في عيني المدمن

لم تكن جرائم المراكز المشبوهة لعلاج الإدمان داخلها فقط، بل كشف الأمن عن وقائع أخرى وذلك في جريمة احتجاز 80 مدمنا داخل فيلا تدار مصحة لعلاج الإدمان دون ترخيص بمدينة 6 أكتوبر، حيث عُرف ما يسمى "فرقة الشحن"، والذين كشف الأمن عنهم النقاب، حين تبين أن غالبية النزلاء بالمصحة تم إدخالهم إلى المصحة عنوة وبالإكراه باتفاق أسرهم مع المسئولين عن المصحة، وأن هناك عددا من الأشخاص العاملين بالمصحة يطلق عليهم "فرقة الشحن"، وهم من يتولون الذهاب إلى منزل المدمن بعد تحديد موعد مع أسرته للسيطرة عليه واقتياده رغما عنه أو "شحنه" -على حد قولهم- إلى المصحة لتلقي العلاج، وشرح أحد نزلاء المصحة خلال استجوابه أمام رجال المباحث أن من يقاوم منهم أو يرفض الذهاب معهم يتم تكبيله وتقييد أطرافه وأحيانا حقنة بمهدئ لتسهيل عملية السيطرة عليه وشحنه إلى المصحة.

بل وجاءت التحريات بأن القائمين على المصحة مسجلين خطر سبق اتهامهم في قضايا وغير مؤهلين لإدارة منشأة طبية وعلاج النزلاء، خاصة أنهم أيضا مدمنون تعافوا من الإدمان وقرروا استئجار تلك الفيلا لإدارتها كمصحة للربح منها، حيث يتم تقاضي مبالغ طائلة من أهالي النزلاء الراغبين في علاج أبنائهم، وهي الجرائم التي اكتشفها الأمن في الجيزة حين تفتيشه على مصحات الإدمان التي تعمل بدون ترخيص، حيث تبين قيام شخص مسجل جنائي باستئجار فيلا كائنة بدائرة قسم شرطة أول أكتوبر بالجيزة، وإدارتها كمركز طبي لعلاج الإدمان بدون ترخيص واحتجاز عدد من متعاطي المواد المخدرة بداخلها، وصرف أدوية وعقاقير طبية لهم بدون استشارة طبية وذلك نظير مقابل مادى. 

وعقب القبض على المتهم و 5 آخرين قائمين على إدارة المصحة، تبين وجود 80 شخصا بداخلها من متعاطي المواد المخدرة، وحال استجواب 6 من بينهم أقروا باحتجازهم والآخرين داخل تلك الفيلا عن طريق أهاليهم بالإكراه، والتعدي عليهم وتكبيلهم بالحبال من قِبل القائمين على إدارة المكان. 

وتم العثور على كمية من الأدوية المهدئة للحالة النفسية والعصبية ممنوع تداولها بدون استشارة طبية، وعدد من عينات تحاليل المخدرات، وعدد من السرنجات الطبية مجهولة المصدر، ومجموعة من الحبال والعصي المستخدمة في التعدي على النزلاء.

مستشفى مهجور

جثة مكبلة.. مقبرة أم مصحة  

في حدائق الأهرام، وبالتحديد على بعد مسافة قريبة من شارع صحارى سيتى، حين دقت عقارب الساعة متزامنة مع درجات حرارة مرتفعة في غضون أغسطس عام 2018، ينكشف النقاب عن واحدة من تلك المقابر التي يدخل إليها الشاب طالبا العلاج ليخرج منها ملفوفا في كفنه، والتى فضحتها صرخات سيدة "ابنى مات.. قتلتوه ليه، هاتوه جثة ابني"، وإلى جوارها عشرات الشباب يريدون الاقتحام، كان مشهدا للوهلة الأولى غير مفهوم. 

ولكن سرعان ما انكشفت التفاصيل حين اقتحم الشباب مقر مصحة الإدمان، خرجت عليهم روائح كريهة إن دلت فهي تدل على أنها واقعيا مقبرة، لم تمض الدقائق إلا وحضرت الشرطة من كل حدب وصوب، ومن خلال الدخول إلى المصحة التي لا تتخطى 300 متر، عثروا على جثمان شاب مكبلا من يديه بالحبال، وأيضا بعض الأشخاص العاملين في المصحة، والمتهمين بإنهاء حياة الشاب، وكانت المفاجأة بأن هذه المقبرة مثبت في دفاترها قرابة 100 نزيل، وأن القتيل واحد من النزلاء الذي لقى مصرعه ضربا على يد العاملين.

مبنى مصحة مهجور 

جثة مهشمة الجمجمة في بئر السلم

مسافة ليست بالكبيرة، فإنها مدينة أبو النمرس، التى سطرت واحدة من وقائع مقابر المدمنين، فتلك المرة شخص حضر إلى مصحة الإدمان الواقعة بإحدى مدن جنوب الجيزة، طالبا العلاج من إدمان المخدرات، ومرت عليه الليالي المظلمة ليلة تلو الأخرى، يتلقى العلاج، إلا أنه وعقب مرور أكثر من عشرين يوما، لم يتجاوز أعراض الانسحاب فباتت حالته النفسية أسوأ. 

وبين سوء وسوء، حالة جسدية مزرية ونفسية بائسة دفعت هذا المدمن لإنهاء حياته غير المستقرة، فتوجه نحو بئر السلم داخل المصحة، ووقف بين الثواني والدقائق يمر أمامه شريط حياته الذي سطرته نهاية مأساوية بصوت ارتطام جسده بالأرض قافزا من الطابق الرابع، ساقطا جثة هامدة مهشمة الجمجمة ومفتتة العظام، وبمداهمة الأمن للمصحة باتت مثلها مثل غيرها، غير مرخصة بـ عاملين غير مختصين بعلاج الإدمان.

مستشفى 

الهروب من الظلام بـ ملاءة سرير

تلك المرة.. ملاءة سرير، كانت وسيلة الهروب من حياة بائسة ونفسية مدمرة، إنسان محطم بجميع جوانبه، طالب في العقد الثالث من عمره أخذته المخدرات بين شارع وحارة، يستيقظ وينام بين إدمان المخدرات المختلفة، حتى تم إيداعه في مصحة الإدمان بمنطقة الهرم في الجيزة، فلم تمض فترة كبيرة للطالب البالغ من العمر 26 عاما، داخل مصحة الإدمان متلقيا للعلاج، ولكن بالتوازي كان شبح الموت يسير بجواره خطوة بخطوة، حتى سيطر هذا الشبح على الطالب المدمن، مسطرا النهاية المأساوية، حيث أمسك المدمن بملاءة سرير وقام بربطها في نافذة حديدية في غرفة علاجه، وأطل من خلالها بالنظرة الأخيرة على سماء الدنيا معلقا رأسه فيها، ولم تمضِ ثواني إلا وبات جثة هامدة بها حز دائري حول منطقة الرقبة.