الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رائد حركة الترجمة.. كيف ساهم رفاعة الطهطاوي في إحداث طفرة بالنهضة المصرية؟

صدى البلد

في مدينة طهطا بسوهاج في صعيد مصر، ولد رفاعة الطهطاوى في 15 أكتوبر 1801، وعنى أبوه بتحفيظه القرآن الكريم، فلما توفى عني به أخواله، وكان منهم الشيوخ والعلماء، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره التحق بالأزهر في 1817، وتتلمذ على يد علماء الأزهر العظام، ومنهم الشيخ القويسنى، وإبراهيم البيجورى وحسن العطار، الذي لازمه الطهطاوى وتأثر به لما تميز به العطار من المعرفة بالعلوم الأخرى غير الشرعية واللغوية، كالتاريخ والجغرافيا والطب.

الشيخ حسن العطار

 

بعثة فرنسا تغير حياة الطهطاوي

 

أمضى رفاعة في الأزهر ست سنوات، وجلس للتدريس فيه وهو ابن الحادية والعشرين، وبعد عامين ترك التدريس والتحق واعظاً وإماماً بالجيش المصرى، الذي أنشأه محمد علي، وفى عام 1826 قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية كبيرة إلى فرنسا لدراسة سائر العلوم والمعارف، وحرصاً على أعضاء البعثة من تقاليد المجتمع المنفتح قرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر، لإمامتهم في الصلاة ووعظهم، وكان رفاعة واحداً منهم، وبدأ يجد مبكراً في تعلم الفرنسية، وكأنه وطّن النفس بألا يكتفى بالوعظ، واستعان بمعلم خاص في الفرنسية على نفقته، وقدرت إدارة البعثة جديته ونهمه، فقررت ضمه إلى الدارسين متخصصاً في الترجمة، وقبل أن يخضع للامتحان النهائى كان قد أنجز ترجمة اثنى عشر عملاً إلى العربية في التاريخ والجغرافيا والهندسة والصحة، إضافة إلى كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، وعاد سنة 1831.

وظائف الطهطاوي بين الجيش والنفي

 

كانت أولى الوظائف التي تولاها الطهطاوي بعد عودته، مترجمًا في مدرسة الطب، ثم نُقل سنة 1833 إلى مدرسة الطوبجية «المدفعية» مترجمًا للعلوم العسكرية، وظل الطهطاوى يحلم بإنشاء مدرسة عليا لتعليم اللغات الأجنبية، لتخريج المترجمين الأكفاء، واستطاع إقناع محمد علي باشا، وسميت المدرسة «الألسن»، وافتتحت في 1835، وتولى نظارتها، وبعد 15 عاما أغلقها الحاكم الجديد عباس الأول في 1849، وأرسل رفاعة إلى السودان.

الخديو عباس

بوفاة عباس الأول عام 1854، ومجىء سعيد باشا عاد الطهطاوي إلى القاهرة، وأسندت إليه عدة مناصب منها نظارة المدرسة الحربية، لتخريج ضباط أركان حرب الجيش إلى أن خرج من الخدمة، وألغيت المدرسة وظل عاطلاً حتى تولى الخديو إسماعيل الحكم سنة 1863، فعاد إلى نشاطه رغم تقدمه في السن، ومن أبرز الأعمال التي قام بها رفاعة في عهد إسماعيل نظارته لقلم ترجمة القوانين الفرنسية، كما أصدر روضة المدارس، سنة 1870 إلى أن توفى فى 27 مايو عام 1290 هـ/1873م، عن عمر يناهز 72 عاما.

 

رفاعة الطهطاوي.. طارق الأبواب الوعرة

 

ساهمت بعثات محمد علي، في نهضة مصر الحديثة بشكل مباشر وحاسم، وكان رفاعة الطهطاوي من أشهر من استفادوا وأفادوا من تلك البعثات، حيث ساهم العالم الجليل في إحداث طفرة كبيرة في العلم والمعارف المصرية، حيث اتسم الأدب وفنون الكتابة في تلك المرحلة بالضعف، وكثرة اصطناع المحسنات والبديع، الذي كان يضر أكثر مما يفيد، كان هذا التكلف يسبب الإزعاج للكثيرين، وتدخل الطهطاوي، وبذل الكثير من أجل النهوض بهذا الفن، وإعلاء شأن الكتابات النثرية والأدبية، لتناظر مثيلتها في أوروبا، فأخذ بترك المورثات التي تجعل من العمل تقليدي، متكلف، هزيل المعني، وآثر الدقة، والوضوح، وتكثيف المعاني، وجاءت كتاباته مليئة بالأفكار والمعارف الهامة، في صياغات دقيقة.

مؤلفات الطهطاوي

تحدث الطهطاوي في كتاباته عن الكثير من القضايا المجتمعية الكبيرة والمعقدة، منها أهل الذمة، ودورهم في تنمية المجتمع، وعمل المرأة وتحريرها، والحجاب، وعن تطور التعليم، وحالة الركود التي يعانيها، وشملت أفكاره نظرات جديدة إلى المجتمع، والتعليم، والتمدن، ومجابهة الخارج، حيث كتب في الأدب، والفلسفة، والجغرافيا، والهندسة، والجبر، والفلك، والطب، والثقافات العامة، كما نجح على أن ينقل الكثير من المعارف والأفكار الأوربية الحديثة إلى مصر، من خلال ترجماته الدقيقة، التي قضى سنوات طوال يعمل على نقلها إلينا.

الطهطاوي والصحافة المصرية

 

أُسند إليه الإشراف على الوقائع المصرية «أول جريدة عربية» في عام 1842، وتولى رئاسة تحريرها، وأدخل التجديدات على محتواها وإخراجها، فغير اسمها وبدأ تمصيرها وإدخال اللغة العربية بها، لتأخذ الصدارة، ثم ترجمها إلى اللغة التركية دون الإخلال بالأصل العربية، فصدرت الصحفية بالعربية في الناحية اليمنى والتركية إلى جانب اليسار، وقال في وثيقة تنظيم «الوقائع المصرية» التي ارسلها لمحمد علي باشا، وحصل على موافقته عليها: «أما الحوادث الخارجية، وإن كانت ستنشر في الجريدة، إلا أن الأخبار المصرية ستكون المادة الأساسية».

كما اهتم بحداثة الأخبار التي تنشرها صحيفته، وأعطى لها الأولوية، بل وكلف مترجم بإحضارها إذا تأخرت، فقال: «وأنه إذا لم ترد هذه الحوادث فى الوقت المناسب، يُكلف على لبيب أفندي معاون ديوان المجارس المترجم العربي، بالذهاب إلى الدواوين لإحضار الأخبار».

ولم يقف التغير والتجديد على الشكل فقط، وإنما تطرق إلى موضوعاتها، وتحولت الأخبار والحوادث وحتى الافتتاحية إلى موضوعات رئيسية هامة للشرق وأوروبا، وبعدت الافتتاحية عن المديح والحشو غير المبرر، وناقشت السياسة الداخلية والخارجية، وصدر قرار بترقيته إلى قائم مقام في عام 1843.