الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ريش على مفيش!

عندما زرت مدينة "لوس أنجلوس" الأمريكية للمرة الأولى ويحدوني الأمل بمشاهدة كل ما بها من مدنية وثراء بالتجول بمناطق تلك المدينة الكبرى بولاية "كاليفورنيا" والتي بها "ديزني لاند" و"هوليوود" و"بيفرلي هيلز" وشاطئ "سانتا مونيكا" الشهير على المحيط الهادئ حيث تعد تلك المناطق الأشهر والأغلى في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنني قد هالني ما شاهدته على الجانب الآخر من المدينة حيث الفقر المدقع للكثير من الأُسر ذات الأصول المكسيكية وبعض الأمريكيين من أصول أفريقية حيث ترى بعضهم يتخذ من الشوارع وأسفل الجسور مأوىً لهم، كما توجد مناطق كثيرة يقطنها هؤلاء في منازل غير صحية ولا تصلح كسكن آمن للآدميين، بالإضافة إلى الأسواق الخاصة بهؤلاء التي تتكون من عربات خشبية متحركة  وطاولات في الشوارع تباع عليها البضائع المُعاد تدويرها والرخيصة، التي تشعر وأنت تتجول بينها كأنك في أحد فصول قصة الأديب يوسف إدريس "قاع المدينة"
فلكل مدينة قاع وبكل دولة يوجد من هم فقراء يكافحون من أجل العيش والبقاء، فليس الفقر بعيب، وهذا ما لاحظته جليًا في زياراتي المتكررة للهند التي كنت أشعر في كل مرة أعود منها بمدى ثراء بلدنا وبأن وضعنا بالطبع أفضل من الكثير من بلدان العالم

ولست أدري ما علاقة الفقر والغنى بسمعة الدول ولا بحالة إبداع سينمائي يبديها صنّاع فيلم مبتدئون يعبّرون عن حالة فنية معينة

لم تتح لي فرصة مشاهدة فيلم "ريش"، ولكنني كالكثير من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي شاهدت (التريلر) الخاص به وقرأت عن فكرته وقصته، كما سعدت جدًا بحصوله على جائزة النقاد بمهرجان "كان" السينمائي الشهير
لكن الضجة التي أثيرت حوله بمهرجان الجونة التي تسبب بها بعض النجوم وعلى رأسهم الفنان شريف منير - الذي أحبه وأستمتع بأدائه التمثيلي المتميز - لكن ليس هكذا تورد الإبل أيها الفنان الكبير، فالنقد المتخصص لا يكون بهذه الطريقة الاعلامية وإنما بالمناقشة الجادة في اللجان وفي الندوات أو المقالات النقدية حتى وإن اعترضت على الكآبة في جو الفيلم أو الفكرة الساذجة من وجهة نظرك، فالفيلم بالأخير هو مجرد عمل إبداعي يعبر عن رؤية ووجهة نظر صنّاعة دونما التأثير على سمعة مصر العظيمة - لا سمح الله - فالدول لا تتأثر بما يقدمه المبدعون من أعمال فنية وإن خالفت - حتى - تلك الأعمال سياساتها، فهل أساء فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" من تأليف نجيب محفوظ وبطولة النجم أحمد زكي لمصر، وهل كانت رواية احسان عبد القدوس "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" التي قدمها أحمد زكي أيضًا في فيلم عبقري طعنة في خاصرة الواقع المصري حينها؟

هناك الكثير والكثير من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها هنا لهذا النوع من الأفلام التي تعبر عن بعض المعاناة التي تعاني منها بعض طبقات المجتمع والتي يجب على الدولة والحكومات المتعاقبة العمل على تحسين أوضاعهم، وهو ما يحدث بالفعل في المبادرات الكثيرة التي انطلقت في الآونة الأخيرة حرصًا على تحسين أوضاع الطبقات الأكثر فقرًا

كما أن التنمر بممثلي هذا الفيلم من قِبل ثُلة من المذيعات اللاتي يتمتعن بضعف الموهبة والإمكانات والثقافة غير مقبول على الإطلاق، فهذه النظرة المتعالية على المواطنين هي التي يجدر الخجل منها والتي ربما تؤثر على مكانة المنصات التي ترعى هؤلاء المتنمرين
إن ما يجب مناهضته بالفعل ليس التعبير عن حالة فنية خاصة كما في فيلم "ريش" وإنما تقديم العنف غير المبرر والابتذال الشديد في بعض الأعمال التي لا تمت للفن بصلة بالرغم من أن هذه الأعمال أيضًا أصغر من التأثير على سمعة الوطن وإنما الخوف الحقيقي من تأثيرها على سلوك بعض المراهقين في شيوع البلطجة والمخدرات والابتذال

وأخيرًا نتمنى أن يتطور مهرجان الجونة السينمائي من دورة إلى أخرى متخذًا مكانة فنية وثقافية أرفع بين المهرجانات الدولية، وبعيدًا عن تنافس الأزياء على السجادة الحمراء التي أرى أنها لن تضيف لهذا المهرجان قدر ما تأخذ من رصيده.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط