الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

واضربوهن

نهال علام
نهال علام

فكرت وترددت، تراجعت وتقدمت، تواكلت وتوكلت، حتى قررت فالأمر لن يستغرق إلا بضعة حروف وحفنة صفوف لكلمات متراصة، ستؤتي أوكُلُها عند من يهتم لأمرِها وسيضرِبُ بها عَرض الحائط من تملأه القناعة بأنها حديث غير لائق، ولم تكن تلك إحدى مشكلاتي فأكبر تحدياتي أن استنطق تلك الحروف التي تشعر بالكسوف لتعبر عن ذلك الفِكر المَحفوف بأهواء النفوس حتى وإن كانت تناقشه، وبصدق تُفنده وبإخلاص تنقده، فلازلت أشعر بالخجل من أن يثير هذا الموضوع في الأساس الجَدل.

التمسوا لي العذر فجنسيتي المصرية وديانتي السماوية وهويتي الفرعونية وجندريتي النسوية وفطرتي الإنسانية غير قادرة على استيعاب السبب وراء تلك الاشكالية، التي لا طائل منها ولا داعي لها إلا البلبلة الاجتماعية والإساءة للدين الاسلامي!

فبعد قرابة مُضي ربع قرن على الألفية الثانية، ومع كُل التحديات اليومية و المحلية والإقليمية والعالمية التي تحدُنا من كل صوب، لازال يشغل تفكيرنا النكد الذي ينتظره البيت الذي يترك الشبشب مقلوب ومدى استحقاق المرأة أن تكون طرف مضروب!

يا للهزَل، ماذا بكم يا مصريون وما الذي أصابكم يا متدينون عن آي ضرب تتحدثون! وبأي منطق تتهامسون وما هو الحق الذي عنه تبحثون، أدركتم لما أشعر بالخجل! لأني اطلعت على عورات الأفكار الهادمة لأي كيان نفسي، فما بالك لو كان أنثوي!

سِجال دائر وسؤال حائر على صفحات المعرفة المجتمعية قد يبدو بسيطاً ولكنه قادِر أن يصنع جرحاً عميقاً، هل يجوز ضَرب الزوجة؟ 

في واقِع الأمر لقد استثار ذلك السؤال سؤال آخر في نفسي، وهل يجوز ضرب المرء بالأساس! فكيف لإنسان كرمه الله بالعقل أن يَضرِب أو يُضرب! إذا كان الله ورسوله نَهوا تمام النهي عن إيذاء الحيوان! تَوَعد لتلك التي حبست القطة وبَشَر من سقت الكلب فكيف يحض على ضرب إنسان؟

وللحكاية جذور وليست مجرد فكرة ظهرت مع الدعوة للتغيير في قانون، فالاعتقاد السائد اكسَر للبنت ضلع بينما إن كِبر ابنك خاويه! البنت حتجيب العار أما الولد كلما قَطَع السمكة وأكلها حتى ذيلُها  أصبح زينة الشباب، أما الرجل الذي ينوي الاستقرار فذبح القطة هو القرار الذي يضمن لتلك العَلاقة الاستمرار! 

والزوجة المصونة عليها السَمع والطاعة والإذعان، آه منها تلك الملعونة! حتى القانون اعتبر قتل الزوج لزوجته في حالة الخيانة رد شرف لا يُعاقب عليه، أما المرأة لو أتت ذات الفعل في نفس الحالة فذلك قَرَف، وتوقَع عليها أقصي عقوبة قانونية ومجتمعية فذلك عدل وليس تَرفْ.

ولا مجال للشك أن مُجتماعتنا العربية شَهدت بعض التغييرات التي تُناصر المرأة وتُمكنها، لكن الحقيقة المؤكدة أن الإرادة السياسية لتلك الدول أقوى من الإرادة الشعبية في التغيير، ومِصر تحديداً شهدت طفرة استثنائية في تمكين المرأة مادياً عندما تقلدت المناصب الرفيعة والتي كانت لسنوات طويلة حِكراً على الرجال، أو معنوياً بالاحترام الحقيقي الذي يكنه الرئيس لسيدات وبنات مِصر،  والذي دَفع السيدات لتأدية دورهم السياسي في الحياة، والاقتصادي بالمنازل بشكل مُشاركي وليس بالمفهوم الفِطري فقط، فقد لامَس رُقي الرئيس وتقديره لدور المرأة الذي ذكره وأشاد به في كُل المحافل وتر المسؤولية الاجتماعية لدى النساء وحقق بتلقائيته في خطاب قصير مالم تستطع المؤتمرات والندوات واللقاءات الشيفونية تحقيقه في زمن طويل.

كُلنا نسعى نفس المسعى وهو الرغبة الحقيقية في استقرار الأسرة، ولا أدري كيف يُناصِر البعض مفهوم الضَرب كنوع من الحَل، العنف داخل الأسرة مرفوض شكلاً وموضوعاً بين الزوج والزوجة والأولاد، فكيف نؤسس لسبل الحوار مُجتمعياً وننبذ الخلاف ونحن نؤصل له عائلياً! الطفل الذي اعتاد الإهانة في أسرته كوسيلة لحل الخلافات فكيف سيتعامل مع مجتمعه الملئ بالاختلافات، العنف لا يولد إلا الاعاقات النفسية والتشوهات الإنسانية فلم نطرق أبوابه بدلاً من أن نقتلع أذنابه!

وإذا رأى البعض أن ذلك الضرب أمر قرآني، اسمحوا لي، فقد عرفنا الله بقلوبنا ورأيناه في الرحمات المُتساقطة على رؤوسنا والنِعم التي اسبغ علينا بها. اما عن الضرب ، نعم ورد لفظ الضرب في القرآن الكريم وَاضْرِبُوهُنَّ في سورة النساء الآية ٣٤ ولكن ألم يرِد اللفظ في عشرات المواضع في الكتاب المبين، على سبيل المثال لا الحصر واضرب عليهم الذلة وفي آية أخري واضرب عليهم المسكنة، اضرب لهم مثلاً، وفي آية أخرى يضربون وجوههم فهل كل ما سبق معناه فعل الضرب!

اللغة العربية لغة ثرية لها مترادفات قوية، فعل الضرب له وجوه عديدة منها التجاهل والإعراض والسعي وإحداها الضرب بمفهومه المتعارف عليه مثلما ورد في القرآن واضرب بعصاك الحَجر، فاضربوا فوق الأعناق في سورة الأنفال، لذا لا يستطيع عقلي أن يتصور أن القرآن الذي كرم النساء والدين الذي أعاد لهن حقوقهن يحض على ضربِهن كالحجر والمعتدين!

ولو كانت الحجة أن الضرب غير مُبرح فهو فعل لا خلاف أنه يجرح، والمقصود منه بحسب الاجتهادات البشرية أنه لكسر نِفس المرأة العِندية حتى ترتد لصوابها، أين المنطق هنا! فالعلم يدعو لعدم ضرب الطفل حتى لا يتمادى في عِناده ويتزايد إصراره.

ولم تأتي دراسة علمية واحدة من المشرق أو المغرب لتثبت الآثار الإيجابية لإهانة آي كائن حي، فكيف تبررون ذلك! وتتمادون لضحد ما اسميتموه ضرب حضاري آي إعراض الزوج وخروجه من المنزل حتى تعود المرأة لرشدها، لم هذا الإصرار على التفاسير البشرية التي تُدعِم ضَرب المرأة بعيداً عن وجهها ودون آثار مُبرحة! أين الدليل الحاسم على هذا التفسير من قول الرسول وفعله، أو من قلب القرآن نفسه!

لا أدعي بعض معرفة ولست بعالم أو فقيه، وما اجتهد به اجتهاد قلبي نتاج منطقي وعقلي، إذا أصبت فيه لن أضر أحداً وإذا أخطأت به فلن تُضَر بسببي نفساً، ألم يصفنا الرسول الكريم بالقوارير، ألم يرتق ثوبه ويعاون زوجه، ألم تكن لزوجات الرسول مواقف جانبها الصواب ككل نساء الأرض ونزلت فيهن بعض آيات الذِكر الحكيم! فلم تروجون مايتعارض مع مفهوم الانسانية والحياة الزوجية والرسالات السماوية، دلل أيها المُدعِي عن حالة واحدة ضُربت فيها الزوجة فانصلح حالها.

لا أدافع عن النساء في المُطلق ولكني أُناصِر الانسانية والنفس السوية، ولن أنكر أن بعض النساء مِراسهن صعب ومزاجهن سئ وتصرفاتهن عقيمة، ولكن في ذلك يتساوى الرجل والمرأة فليست المرأة شيطاناً مريداً والرجل ملاكاً حكيماً، ولا العكس، فكل جمع به بعض لكن أيعطي ذلك الحق للمرأة أن تضرب زوجها، لذا لا يمنح ذلك الحق للرجل أن يضرب زوجته.

لاتوجد علاقة إنسانية في تلك الحياة أقوى من علاقة الآباء بأبنائهن وبالرغم من ذلك أنا على ثقة أن السنوات لم تمحو بداخلنا ذكرى إهانة أسرية، ففي ذاكرة كل مِنا هذا الموقف السخيف الذي تعرضنا له على يد آبائنا بكلمة أو نظرة أو وغزة، ورغماً من غلاوتهم واقتناعنا بصوابيتهم، إلا أننا لم ننسى، فما بالك بعلاقة أساسها المودة ومِدادُها الرحمة فكيف يكون ظهيرها المشقة! وحل مشكلاتها يكمن في عَلقة سخنة!