الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أوديسا العمود الفقري للاقتصاد في أوكرانيا|سقوطها انتصار استراتيجي لموسكو وعقاب قاس لكييف

الأزمة الروسية الأوكرانية
الأزمة الروسية الأوكرانية

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية يومها الثاني عشر ولا يزال الجيش الروسي يطوق عددا كبيرا من المدن الأوكرانية في طريق للوصول إلى كييف، وكذلك للضغط على النظام الحاكم في أوكرانيا من أجل القبول بالشروط الروسية.

الجيش الروسي يسيطر على بعض المدن في أوكرانيا 

وحذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أن القوات الروسية تستعد لقصف أوديسا، المدينة التاريخية المطلة على الحبر الأسود والتي تضم ميناء.

وقال زيلينسكي: ستكون هذه جريمة عسكرية، وستكون جريمة تاريخية أيضا، وحققت القوات الروسية تقدماً في جنوب أوكرانيا منذ الغزو في 24 فبراير، إذ سيطرت على مدينة خيرسون فيما تحاصر ماريوبول، لكن أوديسا بقيت إلى حد ما بمنأى عن القتال.

إلى ذلك، ذكرت وكالة أنباء يوكرينفورم الأوكرانية، أن سفنا روسية تتجمع قرب مدينة أوديسا، وأنها ربما تكون تستعد لشن هجوم على المدينة.

وأكدت الوكالة أن قوات الدفاع الجوي والوحدات الأخرى في القوات المسلحة الأوكرانية مستعدة لصد الهجمات.

ونقلت عن سيرهي براتشوك، المتحدث باسم مقر العمليات بالإدارة العسكرية في أوديسا القول: بداية من اليوم، تقوم قوات العدو بالقرب من أوديسا بترتيب صفوفها والاستعداد لهجوم محتمل، وتواصل سفن العدو الإبحار في البحر الأسود، لكن الوضع تحت السيطرة دفاعنا الجوي والوحدات الأخرى في القوات المسلحة الأوكرانية جاهزة لصد هجوم العدو.

 الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

وفي التقرير التالي نستعرض أهم المعلومات عن مدينة أوديسا وأهميتها التاريخية والاقتصادية بالنسبة لأوكرانيا، ولماذا يعتبر سقوطها عقاب قاس لكييف؟.

أوديسا مدينة التاريخ والاقتصاد

أوديسا هي مدينة من المدن الكبرى في جمهورية أوكرانيا وتقع على ساحل البحر الأسود، ويتكلم أهل المدينة اللغة الأوكرانية والروسية ويوجد فيها جامعات كثيرة تزيد على العشرين مختلفة الاختصاصات ترتيبها الثالثة بعد كييف وخاركوف ومن ناحية الكبر.

ويبلغ عدد سكان مدينة أوديسا أكثر من مليون نسمة، ويوجد بها 4 موانئ وتعتبر العاصمة الاقتصادية والسياحية للبلاد بالإضافة إلى مطار دولي ودار أوبرا وعدد من المسارح، كما يوجد فيها عدد من الأسواق المشهورة إقليميا ويأتيها الزبائن من دول أخرى.

وتأسست مدينة أوديسا بمرسوم من الإمبراطورة الروسية كاترين العظيمة في العام 1794، بعد سقوط الدولة العثمانية في حربها الكبرى مع روسيا عام 1792، ومن العام 1819 إلى 1858 كانت أوديسا ميناء حرا وخلال الحقبة السوفياتية كانت أهم ميناء للتجارة في الاتحاد السوفياتي، وقاعدة للبحرية السوفياتية، ثم بعد ذلك أعلن كارانتين بيير أوديسا ميناء تجاريا حرا ومنطقة اقتصادية حرة لمدة 25 عاما.

مدينة أوديسا 

وفي القرن التاسع عشر كانت أوديسا رابع أكبر مدن الإمبراطورية الروسية بعد كل من موسكو وسانت بيترسبورغ ووارسو، وهندستها المعمارية التاريخية أقرب إلى البحر المتوسط منها إلى الروسية بعد أن تأثرت بشدة من جراء الأساليب الفرنسية والإيطالية، يتم بناء بعض المباني في مزيج من الأساليب المختلفة، بما في ذلك الفن الحديث، عصر النهضة والكلاسيكي و قد تم ضم المدينة لأوكرانيا سنة 1922 من قبل لينين.

وتعتبر أوديسا أدفئ مدن أوكرانيا في فصل الشتاء لوجودها على البحر، واللغة الرسمية في المدينة هي الروسية، وملامح التطور ملحوظة في الأبنية العالية الجديدة والسيارات الحديثة، ويعتبر مركز المدينة شارع الدرباسوف سكيا وهو أقدم الشوارع وأغلبية سكانها مسيحيين بالإضافة إلى اليهود ويوجد فيها عدد من الكنائس وتوجد أربعة مساجد للمسلمين

يوجد في مدينة أوديسا عدد كبير من الأجانب من مختلف دول العالم من طلاب وتجار، وهي مدينة جميلة على ساحل البحر الأسود، تتميز بمبانيها التاريخية وبشوارعها القديمة الجميلة، ويوجد بها مسرح الأوبرا والباليه وهو من المسارح التاريخية المشهورة في أوروبا، كما يوجد بها مسرح الموسيقى والكوميديا وعدد كبير من المتاحف والمكتبات العامة وعدد من الفنادق الفخمة مثل فندق أوديسا.

مدينة أوديسا 

وتشتهر أوديسا بكونها مدينة صناعية وزراعية، وكذلك يوجد فيها مرفآن هما: مرفأ أوديسا ومرفأ يوجني وهو مرفأ نفطي مهم على الصعيد العالمي، وهو موجود في ضواحي المدينة.

أهمية مدينة أوديسا الاستراتيجية 

بالإضافة إلى أنها تمثل مركزا رئيسيا للنقل التكامل مع خطوط السكك الحديدية، يتم توصيل النفط من أوديسا إلى الاتحاد الروسي والدول الأوروبية عبر شبكة خطوط أنابيب استراتيجية.

ولمدينة أوديسا أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الأوكراني، حيث صرح محللون بأن استيلاء روسيا على مدينة أوديسا المرفئية المطلة على البحر الأسود سيمكنها من "خنق" الاقتصاد الأوكراني، وذلك بالتزامن مع تصريح الجيش الأوكراني بأن السفن الحربية الروسية في طريقها إلى المدينة.

وتوازي خسارة مدينة أوديسا خسارة المملكة المتحدة ميناء دوفر (أحد أهم موانئ بريطانيا)، من حيث التأثير، وسيكون ذلك "انتصارا استراتيجيا ضخما" لروسيا "وعقابا قاسيا" لأوكرانيا.

لذلك تعتبر أوديسا ثالث أكبر مدن أوكرانيا، كما تعد منتجعا سياحيا ولها أهمية استراتيجية، وترجع الأهمية الجوهرية للمدينة إلى دورها في تصدير السلع الزراعية، وخام الحديد، والتيتانيوم. إذ إن أوكرانيا غنية بالمعادن، وعادة ما تسافر هذه المعادن عبر البحر.

مدينة أوديسا

وتسافر جميع البضائع السائبة الأوكرانية، ومنها الحبوب، إلى أوروبا عبر البحر، وبالتالي فإن خسارة الساحل ستوجه ضربة استراتيجية هائلة للاقتصاد الأوكراني، ولن يتمكنوا من تصدير البضائع بشكل فعال إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق البر أو السكك الحديدية.

وتمثل مدينة أوديسا "شريان حياة رئيسيا" للتجارة البحرية الأوكرانية، حيث تتدفق نسبة 70% من التجارة البحرية للبلاد عبر المدينة، وأن "الاستيلاء عليها سيمكن روسيا من خنق الاقتصاد الأوكراني".

ويصل حجم منطقة أوديسا عموماً إلى قرابة حجم بلجيكا أو مولدوفا، وتغطي 5.5% من الأراضي الأوكرانية.

كما تعد المنطقة من المناطق الرئيسية المنتجة والمصدرة للحبوب في أوكرانيا، وقد سبق أن حذر وزراء من تأثير الهجوم على أوكرانيا في أسعار الحبوب حول العالم، خاصة في مناطق مثل اليمن ولبنان ومصر وغيرها التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية بشكل كبير، وباحتلال  أوديسا ستكتمل السيطرة على الساحل وستعزل أوكرانيا تماما عن البحر الأسود.

البحر الأسود 

أوكرانيا ستعزل عن البحر الأسود 

وتعد أوديسا آخر حلقة في إعادة بوتين إحياء مشروع "نوفوروسيا"، أو "روسيا الجديدة" التاريخي، والذي يتحدث عنه الرئيس الروسي منذ عام 2014، حيث تسعى روسيا لإقامة جسر بري من أراضيها مرورا بالمناطق الشرقية في إقليم دونباس وما حولها، إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها في عام 2014، إضافة إلى امتداد ذلك نحو مدينة أوديسا ومينائها الاستراتيجي، أي بمعنى الاستيلاء على مئات الكيلومترات من الأراضي على طول ساحل بحر آزوف والبحر الأسود.

ومن شأن السيطرة الروسية على هذه المدن الساحلية بموانئها الاستراتيجية، أن تفصل أوكرانيا تماما عن البحر وتعزلها عن أهم موانئها على البحر الأسود.


-