الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

همسة عزيز

محمد مبروك
محمد مبروك

لقد كان فقدان الشاعر عزيز أباظة لزوجته نقطة فارقة في مشواره الشعري، جعلته يبدع لنا العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية التي تخصص في كتابتها ومنها مسرحية " قيس ولبنى" المستلهمة من القصة العربية الشهيرة لقيس بن ذريح ولبنى بنت الحباب التي يُحكى فيها أن قيسًا قد مرّ بحي لبنى وقد احتدم الحر، فاستسقى من إحدى الخيام، فبرزت إليه فتاة ممشوقة القوام، بهية الطلعة، عذبة الحديث، فسقته الماء، فلما رُوِيَ وهَمَّ بالذهاب قالت له: ألا تتريث قليلا وترتاح عندنا؟ فطاب له ذلك، فمهدت له مجلسا في الظل حتى جاء أبوها، فلما وجده، رحَّب به لما بينه وبين الحسين بن علي – رضي الله عنهما – حيث إنهما قد رضعا صغارا من امرأة واحدة، ونحر الحباب لقيس جزورًا، فأقام عندهم طوال اليوم، ثم انصرف وهو أشغف الناس بلبنى، فجعل يكتم ذلك في قلبه إلى أن بلغ به الحب مبلغه، فعاد إلى زيارتها، وشكا إليها ما يعانيه من حبها، فوجد عندها مثلما عنده، فانصرف وهو في أشد الغبطة.

ثم تكتمل القصة برفض أبويه الزواج منها حتى يتدخل الحسين بن علي متوسطا في إتمام تلك الزيجة التي كتب لها أن تحدث بالفعل، فيعيش قيس ولبنى أسعد أيام حياتهما حتى يتدخل أهل قيس مرة أخرى للضغط عليه كي يطلقها ويتزوج بغيرها كونها عاقرا لا تلد. وتحت شدة الضغوط والمكائد المحكمة ينفصلان ويتزوج بغيرها وتتزوج بغيره فتسوء حالتهما بشكل مأساوي، ثم يهيم على وجهه في البوادي لا يريد من الدنيا شيئا إلا حبيبته.

وتمضي الأيام حتى يتأكد زوج لبنى أنها لن تنسى حبيبها فيخيرها بين البقاء معه أو أن يطلقها فتعود لقيس، فتختار أن تعود لحبيبها مرة أخرى، لكن القدر لم يمهلها فتموت قبل أن يرجعا فمات بعدها مباشرة!

وفي تلك القصة وجد شاعرنا عزيز أباظة المادة الثرية التي ألهمته كتابة مسرحيته الشعرية على غرار مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي والتي تناول فيها القصة الأشهر بين قيس بن الملوح وليلى بنت مهدي التي يعرفها الجميع.

لكن عزيز أباظة قد سلك طريقا جديدا في كتابة تلك المسرحية فتجرد من المكان والزمان فيها وكتب بلغة عربية رصينة ما تخيل أنها لواعج الحب التي تجيش بها الأفئدة وتهيم معها الأرواح، وفي قصيدة "همسة حائرة" التي تغنّى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مزج الشاعر بين أبيات من ديوانه "أنات حائرة" الذي كتبه بعد فقدانه لزوجته ومسرحية قيس ولبنى فأنشد:

يا منيةَ النفس ما نفسي بناجية          وقد عصفتِ بها نأياً وهجرانا

أضنيتِ أسوانَ ما ترقا مدامعهُ    وهجتِ فوق حشايا السهد حيرانا

يبيت يُودِع سمعَ الليل عاطفةً          ضاق النهار بها سرّاً وكتمانا

هل تذكرين بشطّ النيل مجلسنا        نشكو هوانا فنفنَى في شكاوانا

تنساب في همسات الماء أنّتنا          وتستثير سكونَ النهر نجوانا

وحولنا الليل يطوي في غلائله       وتحت أعطافه نشوى ونشوانا

لم يشهد الرافدُ الفضيُّ قبلهما          إلفين ذابا تباريحاً وأشجانا

نكاد من بهجة اللقيا ونشوتها           نرى الدُّنا أيكةً والدّهر بستانا

ونحسب الكون عش اثنين يجمعنا    والماءَ صهباءَ والأنسامَ ألحانا

لم نعتنق والهوى يُغري جوانحنا          وكم تعانقَ روحانا وقلبانا

نُغضي حياءً ونغضي عفةً وتقىً      إن الحياء ثياب الحب مُذْ كانا

ثم انثنينا وما زال الغليلُ لظىً       والوجدُ محتدمًا والشوقُ ظمآنا

وقد وجد الموسيقار في هذه الأبيات ما حرك بداخله ألحانا عذبة جعلته يلحنها ويغنيها في واحدة من أجمل ما غنى رغم رصانة لغة الكلمات ووجود بعض الصعوبة في معانيها حتى أصبح عبد الوهاب قد غنى للقيسين، قيس بن الملوح في "مجنون ليلى" لشوقي وقيس بن ذريح في "همسة حائرة" لعزيز أباظة.